جديد المشهد الإعلامي في خمسة عشر عاما (2)


المسار الرابع: إعادة تنظيم جهاز الإعلام المركزي الرسمي

يمكن حصر أبرز ما شهده هذا المسار في الفروع الآتية:

1 – دمج أجهزة الثقافة والإعلام في وزارة واحدة، جاء ذلك ضمن حزمة من الإصلاحات الإدارية في أوامر ملكية عدة (1423هـ / 2003م) ونتج عن هذا الدمج فصل جميع الأقسام وقطاعات الثقافة الموجودة في الأجهزة الحكومية الأخرى وإلحاقها بوزارة الثقافة والإعلام.

2 – إلغاء المجلس الأعلى للإعلام، جاء ذلك ضمن الأوامر الآنفة الذكر، والمعروف أن المجلس بدأ عام 1387هـ / 1967م في شكل لجنة للتخطيط الإعلامي، ثم تطوّرت فكرته حتى أصبح يسمى المجلس الأعلى للإعلام برئاسة الأمير نايف بن عبد العزيز بوصفه رجل دولة، منذ عام 1401هـ / 1981م وحتى سنة إلغائه، وبغض النظر عن مدى فاعلية المجلس خلال مسيرته، إلا أنه كان – بموجب لائحته – جهةً تنظيمية (تشريعية نهائية تماثل صلاحية مجلس الوزراء)، كما كان يمثّل الحكم المحايد للفصل في التظلّمات التي تقدّم من الإعلاميين ومنها ما كان ضد وزارة الثقافة والإعلام نفسها، فيحكم المجلس بشأنها بما يراه موضوعيّاً منصفاً، حتى وإن كان مناقضاً لوجهة نظر جهة حكومية طرف في الموضوع كوزارة الثقافة والإعلام.

3 – تأسيس هيئة الإعلام المرئي والمسموع (صدرت بمرسوم ملكي عام 1433هـ / 2012م) بهدف تنظيم نشاط البث الإعلامي المرئي والمسموع وفق السياسة الإعلامية، ووضع أُطر للترخيص للبث بما يستوعب الاتجاهات التجارية والتقنية المتطورة، وربما تكون الوزارة قد استحدثت فكرة هذه الهيئة لتكون عوضاً عن المجلس الأعلى للإعلام، لكن الفارق كبير بينهما كما يتضح من مقارنة نظام الهيئة مع لائحة المجلس، وقد يكون التنظير الذي لازم فكرتها والازدواجية التي وقعت فيها مع بعض قطاعات الوزارة وبخاصة الإعلام الداخلي، انعكسا على عدم فاعليتها منذ إنشائها وحتى الآن، ومن يطّلع على نظامها يجد أنه أمام نصوص غامضة.

المسار الخامس: تحديث بعض الأنظمة الإعلامية القائمة

تمّ خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية تحديث مجموعة من أنظمة الإعلام القائمة على النحو التالي:

1 – نظام المطبوعات والنشر، صدر بمرسوم ملكي (1421هـ / 2001م) وهو في نسخته الجديدة يُعدّ الخامس في تاريخ الإعلام، وكان من أهم ما تضمنه من تجديد هو السماح بقيام جمعيات (نقابات) مهنية في مجال الإعلام (المادة 44).

وفي عام 1432هـ / 2011م صدر أمر ملكي يقضي بعدم المساس بالإساءة أو النقد لسماحة المفتي أو لهيئة كبار العلماء، وتضمن التوجيه تشكيل لجنة لإعادة النظر بموجبه، في نظام المطبوعات والنشر، وفي إثر ذلك، صدر أمر ثان بتعديل المواد (9 و36 و37 و38 و40) من النظام، وتقضي تلك التعديلات – التي جاءت بأمر ملكي بخلاف ما هو معتاد وذلك للتأكيد على أهميّتها وإلزاميّتها – بتشديد الأحكام الواردة في المواد المعدّلة، وبإعادة تنظيم تشكيل لجان النظر في مخالفات النظام، ويعدّ هذان الأمران – بالنظر إلى مضمونهما وإلى الظروف التي أحاطت بصدورهما، وبالأداة النظامية غير المألوفة التي صدرا بها – من أهم ما جدّ على الساحة الإعلامية وعلى الرقابة خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية، علماً بأن تلك التعديلات – بما احتوته من تفاصيل – منشورة في وسائل الإعلام المحلية، لمن يريد الرجوع إلى مضمونهما.

2 – نظام المؤسسات الصحفية (صدر بمرسوم ملكي عام 1422هـ / 2001م) وهو الإصدار الثاني في تاريخ المؤسسات الصحفية، وتضمّن تعديلات من أبرزها الاستناد إلى السياسة الإعلامية، والاعتراف بمجالس إدارة المؤسسات بعد أن كانت الجمعيات العمومية في النظام السابق هي الجهة الوحيدة الحاكمة للمؤسسات، كما تضمن النظام زيادات في رأس المال وبعض الشروط التي تكفل تحسين أداء المؤسسات، وقد أبقى النظام لوزارة الثقافة والإعلام دون غيرها حق التدخل في الشؤون التحريرية والتنظيمية لصحف المؤسسات.

ومن ناحية ثانية، بقيت في نظام المؤسسات ثغرات صارت بعض القيادات التحريرية تنفذ من خلالها للسيطرة على شؤون المؤسسة والتحكم في أمورها، كما صارت بعض المطبوعات الصحفية في السنوات الأخيرة تقع تحت سيطرة الإعلان ونفوذ الشركات المعلنة، مما صار يحجب أي نقد صحفي يمسّها.

3 – نظام حماية حقوق المؤلف، صدر بمرسوم ملكي (1424هـ / 2004 م) ليحلّ محل النظام القديم الصادر عام 1410هـ / 1990م وقد صدرت هذه الصيغة الجديدة للنظام التزاماً باتفاقيات دولية، وقد قدمته وزارة الخارجية إلى مجلس الوزراء، وطلب النظام من وزارة الثقافة والإعلام إصدار لائحته التنفيذية والإشراف على تنفيذه، وهذا النظام جزءٌ من منظومة الملكية الفكرية التي تشترك في تنفيذها كل من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية من خلال نظام براءة الاختراع، ووزارة التجارة من خلال تطبيق نظام العلامات التجارية، وغيرهما.

المسار السادس:

مؤسسات المجتمع المدني والعلمي

سجل هذا المسار صدور قرارات بتأسيس عدة بدايات لمؤسسات المجتمع المدني والعلمي، وهي:

1 – جمعية الإعلام والاتصال، وهي جمعية علمية منبثقة عن جامعة الملك سعود (1421هـ / 2001م) ويصدر عنها مجلة نصف سنوية.

2 – جمعية الناشرين السعوديين (1424هـ / 2004م) صدرت لائحتها من وزارة الإعلام، وهي جمعية مهنية منبثقة من نظام المطبوعات والنشر، ولها نشاط ملحوظ.

3 – هيئة الصحفيين السعوديين، وهي جمعية مهنية تأسست عام 1425هـ / 2004م بموجب المادة (27) من نظام المؤسسات الصحفية.

4 – الجمعية السعودية للعلاقات العامة والإعلان (1431هـ / 2011م) وهي جمعية علمية انبثقت عن لائحة الجمعيات العلمية في الجامعات السعودية، بادرت إلى تأسيسها جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية، وما تزال في مرحلة البدايات.

5 – جمعية الإعلام الإلكتروني (1434هـ / 2013م) وهي جمعية مهنية صدرت لائحتها من وزارة الثقافة والإعلام بناءً على مواد نظام المطبوعات والنشر، وما تزال في أول الطريق.

6 – الجمعيّة السعودية لكتّاب الرأي (1434هـ / 2013م) وقد تشكّلت بموجب نظام المطبوعات والنشر، وما تزال في مراحلها التأسيسية المبكّرة.

ومع أن مجتمع الإعلام قد استبشر كثيراً بظهور هذه الجمعيات بوصفها نواة المجتمع المدني والعلمي، أتاحها نظام الجامعات، كما سمح بها نظام المطبوعات والنشر ونظام المؤسسات الصحفية بموجب مادتين وضعهما المجلس الأعلى للإعلام عندما بدأ بدراسة تحديث مسودة النظامين، إلا أن الملاحظ في الوقت الحاضر هو خفوت نشاط معظمها وعدم وضوح الرؤية فيها عند البدء بالتطبيق.

المسار السابع:

في المؤسسات الصحفية

تشهد المطبوعات الصحفية في السنوات القليلة الماضية بعض المتغيّرات السلبية نتيجة ضعف موارد التوزيع والإعلان ومنافسة الصحافة الإلكترونية وارتفاع تكلفة الطباعة والورق، فتوقفت مطبوعات عدة، بدأت بصحيفة «المسائية» من مؤسسة الجزيرة الصحفية (1422هـ / 2001م) على وعدٍ بتحويلها إلى صحيفة صباحية موجهة للأسرة، ثم لحقتها صحيفة «رياض ديلي» من مؤسسة اليمامة الصحفية (1424هـ / 2004م) ومجلة «رؤى» من مؤسسة عكاظ الصحفية (1432هـ / 2011م) ومطبوعات أخرى لا يتسع المجال لذكر أسمائها.

وقد نتج عن هذه المتغيّرات اختلال في معادلة التوزيع والاشتراكات، حتى لجأ بعض الصحف إلى تخفيض سعر بيع الأعداد في نقاط التوزيع لدرجة تقديمها للقراء بما يقارب المجّان، وذلك من أجل المحافظة على أرقام التوزيع التي يُستشهد بها أمام شركات الإعلان.

ومن أبرز المتغيرات الأخرى في عالم المؤسسات الصحفية:

1 – قيام مؤسسة عسير الصحفية وصدور جريدة «الوطن» (1420هـ / 2000م).

2 – تحويل شركة الشرقية للطباعة والصحافة والإعلام إلى مؤسسة صحفية وصدور جريدة «الشرق» (1433هـ / 2011م).

3 – تحويل امتياز جريدة «الندوة» إلى جريدة «مكة» (1435هـ / 2014م).

4 – توسّع العديد من المؤسسات الصحفية في إحداث الأقسام النسوية للعمل في مجال التحرّير والتصحيح والتسويق، وأقدمت مؤسسة عكاظ الصحفية على تعيين أول رئيسة تحرير لصحيفة سعودية (سُمَيَّة جبرتي في جريدة «سعودي غازيت» بالإنجليزية 1435هـ / 2014م).

المسار الثامن:

أقسام الدراسات الإعلامية

كان من أبرز ما شهده الإعلام من متغيرات كَمِيَّة ونوعية خلال العقود الأربعة الماضية، هو استمرار إنشاء أقسام الإعلام في المؤسسات التعليمية الجامعية، فبعد جامعة الملك سعود والملك عبد العزيز والإمام محمد بن سعود الإسلامية وأم القرى قبل صدور الكتاب، تأسس منذ صدوره قسم للصحافة والإعلام في جامعة جازان (1430هـ / 2011م) وقسم الاتصال والإعلام في جامعة طيبة (1431هـ / 2012 م) وقسم للإعلام في جامعة الملك فيصل (1433هـ / 2013م) وقسم الاتصال وتقنية الإعلام في جامعة الدمام (1434هـ / 2014م) وقسم للإعلام في جامعة الملك خالد في العام نفسه، وتحوّل قسم الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى كلية للإعلام والاتصال (1434هـ / 2013م) وفُتح المجال في كثير من تلك الأقسام للدراسات العليا وللفتيات وجُهِّزت بما تحتاجه من تقنيات للتدريب، غير أن الملحظ المؤسف في هذا النمو المطّرد الذي أوصلها إلى عشرة، هو عدم مواكبة معظم هذه الأقسام للمأمول منها في حقول التوثيق والبحوث والتأليف في ميادين المعلومات والدراسات الإعلامية، وأن تركيزها على الإعلام البديل ما يزال محدوداً.

وهكذا، أحرز المشهد الإعلامي والثقافي والتقني في السنوات الخمس عشرة الماضية تقدّماً رأسياً نوعيّاً وتوسّعاً أفقيّاً، في كثير من الاتجاهات، وانعكس ذلك على انفراج تطبيقات الرقابة على المطبوعات، وعلى نمو حركة النشر ومعارض الكتاب واتساع النشاط الثقافي، واستمرت الإذاعة والتلفزيون تشهدان مزيداً من الانفتاح وبرامج البث المباشر (التفاعلية) واستحدث فيهما المزيد من القنوات، التلفزيونية بخاصة (القرآن الكريم والسنة النبوية والثقافية والاقتصادية والإخبارية والرياضية) لكنه – أي المشهد الإعلامي – شهد في الوقت نفسه، تراجعاً نسبيّاً في اتجاهات أخرى، من بينها استمرار حالة التضييق على ما تنشره الصحف، وضعف حراك الإعلام الخارجي الذي كان قد ازدهر في الستينيات والسبعينيات من القرن الميلادي الماضي، وكان من الأولى أن يستمر في الازدهار مع تنامي الدور السياسي والاقتصادي للمملكة بما يجعله بمستوى مكانة هذه الدولة، وأن يحظى بهيئة مستقلة على غرار ما هو معمول به في كثير من البلدان، وعلى شاكلة التنظيم الذي حازته وكالة الأنباء السعودية والإذاعة والتلفزيون مؤخّراً.

وهناك أوجه تغيير أخرى طرأت على الساحة الإعلامية في القطاع الأهلي بعامة وفي عالم المطبوعات والنشر بخاصة، غير أن المحاضرة تكتفي بهذا القدر من الرصد، على أمل أن يقوم الدارسون والدارسات بإكمال ما بدأ به المحاضر، مع الشكر والامتنان لجامعة الدمام على دعوتها، مؤكِّداً وضع كل ما تشرّفت بتأليفه من محاضرات ودراسات في خدمة الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

** ** **

* محاضرة في قسم الاتصال وتقنية الإعلام بكلية الآداب في جامعة الدمام، الثلاثاء 12 / 2 / 1437هـ 24 / 11 / 2015م.