ديوان الملك عبدالعزيز


موضوعات عدّة ما تزال بحاجة إلى استقصاء، سواء في التاريخ الوطني المعاصر للسعودية، أو في البدايات المبكّرة والمتوسطة للدولة عبر ثلاثة قرون منذ نشأتها، مما يُنتظر أن تقوم المراكز البحثية بحصره وتشجيع الدارسين المتخصّصين والمهتمّين للغوص فيه.
وفيما يتعلّق بموضوع الديوان الملكي، تتصدّر الذهن تساؤلات حول نشأته وتسميته والشخصيّات التي تتالت على إدارته والعمل فيه، والتنظيمات التي مرّت به، وهي تساؤلات لا توجد – في حدّ علم الكاتب – معلومات وافية موثّقة عنها، بانتظار التنقيب عنها في المصادر الأوّلية، كوثائق الديوان الملكي نفسه – ومنها وثائق الشعبة السياسية ووثائق قصر «ثليم»، التي أُودعت مكتبة الملك فهد الوطنية ولم تصنّف بعد – ووثائق وزارة الخارجية التي لم تُفرز، وكتابات المستشارين، والمراسلات الواردة والصادرة المتزامنة مع حقبة التأسيس الممتدّة بين عامي 1902 و1925، وهو عام انضمام مملكة الحجاز مع سلطنة نجد والأحساء، وبدء صدور صحافة سعودية تساعد في الرصد والتوثيق، فالجريدة الرسمية «أم القرى» لم تبدأ إلا في منتصف العشرينات من القرن الماضي، بينما كانت الصحافة الخارجية تغطي أخبار البلاد السعودية عن بُعد.
وتعود أهميّة استكشاف هذه الموضوعات على بساطة بعضها، إلى حفظ التاريخ من ناحية، وإلى تقدير الجهود المبذولة في عهود العدم والفاقة، وإلى استذكار أسماء الشخصيّات الإدارية والسياسية الرائدة في حقبة التأسيس في زمن لم يكن التعليم موجودًا في وسط الجزيرة العربية، باستثناء محيطَي الحرمين الشريفين، والملاحظ أن الكتب الصادرة قديمًا من قِبـل المؤرّخين المحليين لم تتطرّق إلا نادرًا لهذا الموضوع وأمثاله، فالكتب التاريخية التي عاصر مؤلفوها لحقبة التأسيس – كابن عيسى والبسام والذكير والدخيل والقاضي وابن مطلق وابن ضويّان وابن عُبيْد وسعود بن هذلول وابن قاسم والعبيّد والمانع الشيخ والمانع المترجم وغيرهم – كانت تركّز في الغالب على الحوادث والمعارك والنوازل، ولهذا صار الاعتماد في كتابة مثل هذا المقال على ما تضمُه الوثائق المحلية، وعلى ما سجله الرحّالة والأجانب الزائرون والمؤرخون من أمثال فيلبي ومحمد أسد والريحاني والزركلي وأمين سعيد والعجلاني، وعلى ما دوّنه عرضًا في كتبهم ومقالاتهم بعض المؤرخين المحدثين كحمد الجاسر وعبد الله بن خميس وأمين مدني وعبد القدوس الأنصاري ود. عبد الله العثيمين، وعلى ما ضمّته الروايات والذكريات الشفهية اللاحقة من معلومات مفيدة.
مرّ تأسيس ديوان الملك عبد العزيز وتطوّره بأربع مراحل؛ بدأت الأولى منها عند دخول الرياض عام 1902، وانتهت عند ضمّ إقليمي الأحساء والقطيف (1913) وانتهت الثانية عند ضمّ إقليم الحجاز (1924) والثالثة مع توحيد البلاد (1932) والرابعة بوفاة الملك عبد العزيز (1953) وانفردت كل مرحلة بسمات تختلف عن الأخرى من حيث التشكيلات الإدارية متوافقة إلى حدّ كبير مع تطوّر الألقاب التي عرف بها الملك المؤسس (من أمير إلى إمام إلى والٍ إلى سلطان إلى ملك)، وذلك بحسب تعاقب مراحل توحيد البلاد.
في الفترة المبكرة (العقد الأول من القرن العشرين) أشارت المراجع النادرة إلى الكتـبة الأوائل الذين بدأ الديوان يتشكّل بهم وكانوا قلّة، ومنهم على سبيل المثال ناصر بن سويدان رئيس الكتبة ومحمد بن عبد الله أبو عبيد وصالح الصرامي والشيخ حمد بن فارس (وهو عالم من أهل الخرج توفي عام 1926م وكان مسؤولاً عن بيت المال) ومحمد السليمان الحمدان وحمد المضيّان (لقراءة العرائض) ولا تحتفظ مراكز المعلومات إلا بالقليل من وثائقهم.
وبعد ضمّ إقليمي الأحساء والقطيف (بداية العقد الثاني من القرن العشرين) أشارت الروايات التاريخية إلى طاقم من المعاونين المكلّفين بمهام متخصّصة من أمثال محمد بن شلهوب (للخزينة الخاصة) وعبد الله السليمان الحمدان (للخزينة العامة) وعبد الرحمن الطبيشي (للضيافات والخاصة الملكية) وإبراهيم بن جميعة (للتشريفات) كما تذكر الكتابات عبد الله بن نفيسة (المحارب المعروف بلقب عمعوم) وإبراهيم الشايقي وعبد الرحمن بن خضير وعبد الله بن قاسم وأحمد بن مزيد وغيرهم، ومن أبرز الكتـبة في الديوان السلطاني السيّد هاشم الرفاعي، وهو أديب وصحافي من أسرة عراقية الأصل كويتية الإقامة، درس مع الأمير الشاب عبد العزيز بن سعود في كتاتيب الكويت، ثم انضم إلى ديوانه، وقيل إنه ساعد أمين الريحاني في تدوين ما كان يمليه الملك عليه من «تاريخ نجد الحديث» وقد عاد الرفاعي إلى البصرة وأصدر ذكرياته عن تلك المرحلة في كتاب طُبع في مطبعة الرشيد ببغداد (1939) وأعادت دار جداول نشره (2012).
وبعد ضمّ الحجاز (1924) ساعدت البيئة السياسية والثقافية والإدارية في الحجاز على إحداث تشكيلات دستورية جديدة عالية التنظيم في مكة المكرمة كمجلس الشورى ومجلس الوكلاء (الوزراء) والنيابة العامة (مكتب نائب الملك في الحجاز) ومديرية الشؤون الخارجية، هذا بالإضافة إلى الديوان السلطاني أو العالي الملوكي ثم الملكي، والشعبة السياسية ومجلس المستشارين وديوان البرقيات بقرب الملك في الرياض، وهنا برزت أسماء الجيل الثاني من الكتـبة ومنهم الطيّب الهزّازي الذي كان شخصية سياسية فاعلة في الحجاز، ثم اصطفاه الملك عبد العزيز لرئاسة ديوانه، وهو أول من نشرت عنه الجريدة الرسمية بصفته رئيسًا لديوان ملك الحجاز وسلطان نجد (أم القرى العدد 63 لعام 1925)، وقد سافر إلى مصر رفقة ولي العهد الأمير سعود (أم القرى العدد 87) وسافر ثانية للعلاج في القاهرة عام 1927، مصطحبًا خيولاً هدية من الملك عبد العزيز للملك فؤاد، ثم صار في عام 1930 عضوًا في مجلس الشورى، وتوفي عام 1934.
وبرز قبيل الثلاثينات في الديوان الملكي (قطاع البرقيات والشعبة السياسية ومجلس المستشارين والصحافة والترجمة) كل من إبراهيم المعمّر الذي خلف الهزّازي في رئاسة الديوان الملكي (1926) ثم صار وزيرا مفوّضًا في الممثلية السعودية في بغداد، وعبد الله بن عثمان الذي خلف المعمّر في رئاسة الديوان، ومحمد بن دغيثر رئيس البرقيات، ومحمد الحمد الشبيلي قبل تعيينه سفيرًا، ومحمد العبد الرحمن الشبيلي، ومحمد الحمد القاضي، وحمد المحمد البسام، ومحمد المُرشد الزغيبي، وعبد العزيز الزامل الجويسر، وعبد العزيز الناصر الشبيلي، وابنه السفير عبد الرحمن، وإبراهيم بن عيدان، ومحمد بن ضاوي، ومحمد الحمد العُمري، وحمد بن عبد المحسن التويجري، وعبد الله بن عبد العزيز التويجري، وعبد الله بن عبد المحسن التويجري، وعلي النفيسي، وعبد الله بالخير، وغيرهم، هذا فضلاً عن وكلاء الملك وممثّـليه ومبعوثيه في الخارج، ولم يقدر لسير الكثير من هؤلاء أن تُـكتب، وتوجد وثائق كتبها بعضهم يعود تاريخها إلى أوائل الثلاثينات.
وبالإضافة إلى من تقدّم ذكرهم من أوائل الإداريين والكتـبة، دخل الديوان الملكي في الثلاثينات في عصر ذهبي تبلور فيه مجلس المستشارين المكوّن من نحو عشرين من جيل السياسيين السعوديين والعرب الروّاد، الذين كان الملك عبد العزيز يُجلّ مكانتهم ويأخذ بالسديد من آرائهم، وكان أولهم أحمد الثنيّان آل سعود ثم عبد الله الدملوجي ويوسف ياسين ورشدي ملحس وحافظ وهبة وفؤاد حمزة وعبد الله بن عبد الرحمن آل سعود وخالد السديري وخالد الحكيم وبشير السعداوي ورشيد عالي الكيلاني وغيرهم.
وفي عينة من وثائق قصر «ثليم» أشهر الضيافات الملكية في عهد الملك عبد العزيز ثم صار مقر ماليّة الرياض، وردت أسماء شخصيات قريبة الصِلة بالديوان الملكي مثل عبد الله الخويطر (والد د. عبد العزيز) وعبد الله الحمّاد الشبيلي وعبد الله اللّنجاوي وغيرهم، ويغلب على تلك الوثائق – التي تجاوزت المليون – الطابع الرقابي والمحاسبي.
وبعد؛ كان الطيّب الهزازي على قصر مدته رئيسًا للديوان الملكي، تلاه إبراهيم المعمّر ثم عبد الله بن عثمان يمثّـلون حقبة الاستعانة بمثقفين تلقّوا تعليمًا في الهند والعراق ومصر، وكان من قبلهم ناصر بن سويدان – وهو من أهل الرياض – وزملاؤه يمثِلون الحقبة التقليدية المبكرة، وقد قال أول وزير للمالية – عبد الله السليمان الحمدان الذي التحق بالديوان السلطاني في حدود عام 1915 – عن ابن سويدان «إنه كان رئيس الديوان وقت التحاقه، وإنه توفي بعد أعوام قليلة من بدئه العمل، وكان ذَا شخصيّة مهابة ومن أفضل من عـرف تديّنًا وسمتًا وذَا خطّ جميل»، وتشير وثائق قليلة محفوظة في دارة الملك عبد العزيز تعود إلى العقد الأول من القرن الماضي إلى اسمه في مخاطبات الملك، كما توجد وثائق أخرى مكتوبة بخط يده، وقد أورد الأمير طلال بن عبد العزيز (في ذكرياته عن والده) وعبد العزيز التويجري (في كتابه: لسراة الليل هتف الصباح 1997) وعبد الرحمن الرويشد (في كتابه عن قصر الحكم «حصن المصمك» 1992، وكتابه عن سيرة الأمير محمد بن عبد العزيز 2002، وكتابه عن سيرة عبد الله السليمان الحمدان 2010) والروايات الشفهية التي رصدها الحرس الوطني (بمثل كتاب كنت مع عبد العزيز 1988، وكتاب من وثائق الملك عبد العزيز 1990 وكتاب من وثائقنا الوطنية 1992) ودارة الملك عبد العزيز (بمثل كتاب وثائق عصر الملك عبد العزيز لخولة الشويعر 2006) ومكتبة الملك عبد العزيز العامة (بمثل كتاب موسوعة التاريخ الدبلوماسي للملك عبد العزيز 1999) أوردت جميعًا معلومات متناثرة عن الديوان الملكي وتشكيلاته ونبذًا موجزة عن هؤلاء الروّاد، لكنها لم تقدّم سِيرًا كاملة عنهم، حيث يبقى هذا المقال نواة قابلة لمزيد من الاستقصاء، وبانتظار ما يعكف المؤرخون عبد الرحمن الرويشد ود.فهد السماري ود.عبد الله العسكر ود.ناصر الجهيمي وغيرهم على جمعه وتصنيفه وتحقيقه وتحليله، أما ديوان ولي العهد «سعود» الذي تأسّس مطلع الثلاثينات فيتطلّب مقالاً توثيقيًّا منفصلاً.