ما كادت دموعنا تجف، وأحزاننا تخف، على وفاة أستاذنا الدكتور عبد الرحمن الشبيلي الذي فقدناه قبل سنتين، حتى تجددت الدموع والأحزان بوفاة زوجته الصابرة التقية المحتسبة زكية أبا الخيل أم طلال رحمها الله تعالى.
كان لبعض الزوجات غير العاملات في مجال العلم، عونٌ في إبداع أزواجهم العلمي، مثل أم فهر زوجة العلامة محمود محمد شاكر، وأم علي زوجة الدكتور إبراهيم السامرائي وغيرهما، ومن أولئك زكية أبا الخيل زوجة أستاذنا وصديقنا الدكتور عبدالرحمن الشبيلي رحمهما الله تعالى. وزادت عليهن درجة بما كانت تبدي لزوجها من ملاحظات وتصويبات على مؤلفاته ومقالاته قبيل نشرها، وليس ذلك بمستغرب منها لا سيما أنها من بيت علم وثقافة، إذ إن والدها الشيخ عبدالله أباالخيل رحمه الله كان من أهل العلم والأدب، وله ولع بالمطالعة ، وله مكتبة نفيسة في مختلف الفنون. وكان أبو طلال على غير عادة كثير من النجديين يصرّح باسمها في كتبه، بل وجدناه خصص لها إهداء الجزء الثاني من كتابه القيّم (أعلام بلا إعلام) بمناسبة ذكرى زواجهما الخمسين: « لمن ظلَّت على الدوام بعيدة عن دائرة الضوء، تنافسها الأوراق والأحبار، تحملت سأم التصويب والخربشات، وطنين الآلة وعزلة الانشغال، وصابرت كدر الأيام، مثلما ذاقت صفوها، وثبتت بصبر مع الملمَّات، واحتسبت مرض العزيز وفقده، ووقفت حياتها لأحفادها دون نفسها، الزوج الرؤوم زكية عبد الله أبا الخيل، والدة المرحوم (طلال) وشقيقتيه رشا وشادن وأولادهم، في ذكرانا الخمسين…».
لقيتها مرة يتيمة في معرِض القاهرة للكتاب عام 2019، جئت لحضور محاضرة زوجها الدكتور الشبيلي عن حافظ وهبة بعنوان (حافظ وهبة النسر المهاجر)، وكانت آخرَ محاضرة له رحمه الله، وقبيل المحاضرة تقدمت للسلام عليه وفوجئ بحضوري وسُرَّ به، وأشار بيده إلى زوجته زكية أم طلال وقال لي: تلك أم طلال، فحيَّيتها من بعد، وعقب المحاضرة سلمت عليها ووقفت معها قليلًا، ولا أدري سبب تذكري خالتي الراحلة فاطمة رحمها الله لما رأيتها؟ لعل الجامع بينهما أنهما فقدتا ابنهما الوحيد، فشاء الله أن يموت مهدي ابن خالتي فظلت في حداد عليه إلى يوم وفاتها مع ابنتها سلوى في حادث سير أيضًا.
وكان ينتابني موقفان في لقائي بها: الإعجاب بشخصيتها والإكبار لها، والحزن عليها وعلى خالتي.
ولئن فاجأتني وفاة أستاذنا الدكتور عبد الرحمن الشبيلي وأحزنتني، لقد أحزنتني وفاة زوجته أم طلال أيضًا، وكنت أمنِّي النفس بلقائها بالرياض وتعزيتها بزوجها ولكنَّ أمر الله غالب.
ما عرفناها إلا صاحبة دين وخلق وإحسان، تنفق على الفقراء والأرامل والأيتام، من غير إظهار ذلك أو إشهاره، كما كانت تفتح بيتها للأقارب والأنساب والأحفاد والضيوف فكانت شمعة العائلة. رحمها الله تعالى وأكرم نُزُلها.
رحيل أُمُّ طلال الشبيلي إنَّ الشَّجا يبعث الشَّجا
مجلة اليمامة : 24/06/2021