عبدالقادر كمال ولواء من الشبيليات


الشبيليات: ديوان شعر أصدره اللواء الأديب عبدالقادر بن عبدالحي كمال عام (1441=2020م)، ويقع في (96) صفحة مكونة من إهداء، ومقدمة، ثمّ تسع قصائد يعقبها الفهرس فتعريف مختصر بالشاعر، وملحق فيه صور المحتفى به حيًا، والمرثي عقب رحيله المفاجئ، الكاتب وعضو مجلس الشورى الدكتور عبدالرحمن الصالح الشبيلي (1363-1440)، بعد أن جمع مجلس الشورى بين الرجلين، وصنع بينهما وشيجة فاقت كثيرًا من الروابط القديمة العضوية أو الوظيفية.

وهذا هو الديوان الثامن للعسكري الذي قاد موسم الأمن في الحج بضع سنوات، وعمل في عدة أجهزة أمنية، ونال أوسمة كثيرة محلية ودولية، واختير عضوًا في مجلس الشورى لثلاث دورات متوالية، ومن المنتظر صدور ديوانين اثنين له، والله يجود عليه بما يجري قريحته المأمونة في معانيها ومراميها، السليمة في لغتها وبنائها، المتحرزة عن الفهم الخاطئ من قبل القارئ بإضافات كاشفة في الحواشي؛ لأن لغة الشعر ليست كالنثر، ويحكمها بحر خليلي فيه وزن وقافية تلزم الشاعر بحدود، وإن كانت تجيز له عبور الحدود دون تذكرة مرور أحيانًا!

احتفى اللواء الوفي أبو أيمن بصاحبه الشبيلي في حياته ضمن عدة مناسبات، وحين رحل صفيه رثاه في شعره، وبكاه في منابر أقيمت لتكريمه، وظلّ يتابع أي شأن يخصّ خليله ولو أدى به ذلك إلى السفر والتنقل وهو أحوج ما يكون إلى الراحة والتأمل، بيد أن نفسه الشاعرة تأبى إلّا المشاركة الحضورية وربما التفاعلية إكرامًا لأخيه وأسرته، ولا عجب فمن يقرأ سيرة الشبيلي بعنوان مشيناها سيجد أثر اللواء فيها، فهو إمام الشورحالة، وأحد الفاعلين في تجمعات أعضاء الشورى، ولم يسلم رجل المرور من التقاط رجل الإعلام له وهو يرتكب مخالفة مرورية صريحة!

كما جعل اللواء كمال ديوانه خالصًا للشبيلي، فالعنوان مشتق من اسمه، والغلاف يحمل صورته، والإهداء له، والقصائد فيه وعنه، والحديث حوله، والصور الداخلية بأجمعها له ولمنزله، ولربما أن الرجل الوفي البار لا يشعر داخل نفسه مع كل هذا أنه فعل لرفيقه شيئًا، وتلك سمة أصحاب النفوس النقية التي تهفو للعطاء والمنح، ولا تسأل العوض، ولا تنتظر المقابل، وإنما تبقى المكارم والشيم، وتُعمر المجتمعات بمثل هذه النفوس الزكية.

ومما قاله الشاعر في حفل تكريم أقامه مركز الرحمانية في الغاط للدكتور الشبيلي عام (1438) بمناسبة اختياره شخصية العام المكرمة في مهرجان الجنادرية:

يا سيدي والشعر أنطق خافقي فترنم الوجدان فيك رخيمًا
وتدفق المعنى بفيض مشاعري من نبع بحرك منهلًا وجميمًا
“هم كرموك فنالهم شرف الذي غسل الطواف بثوبه تعظيمًا”

كما ألقى اللواء قصيدة ضمن حفل أقامه زملاء الشورى لصاحبهم بعد صدور سيرته الذاتية بعنوان “مشيناها.. حكاية ذات”، وفيها يترنم اللواء مثنيًا على كرم د.الشبيلي، وملمحًا لسمو سيدة منزله الكريمة الشيخة زكية بنت عبدالله المنصور أبا الخيل:

دار الشبيلي التي آوت تجمّعنا وما شهدت وحيدًا فالوَفا شهدا
نهفو إلى مجلس في العلم مفخرة وللمكارم هديٌ وافر وهُدى
يا معدن الطيب والأخلاق دمت لنا -كما عهدناك- غيثًا وابلًا وجَدا

أما حين فجع شاعرنا برحيل صديقه الأثير بعد سقوطه من شرفة منزله الباريسي، فقد أجرى قلمه ودموعه وفيوض روحه برثائية صادقة ذات عبرات وآهات ودعوات وفيها:

هطلت عليك نجية الدعوات وهمت عليك سوابغ الرحمات
وتقبلتك من الإله ملائكٌ باليُمن والتهليل والبركات
وسعى إليك اللطف من ملكوته يحنو عليك بعاطر النفحات
وحللت في دار المقامة عاليًا في باحة الفردوس والجنات
ماذا أقول؟ وفي التراقي غصةٌ مملوءة بالحزن والحسرات
ماذا أقول؟ وفي فؤادي مأتمٌ ينداح في شجوي وفي عبراتي

ثمّ يناجي الشاعر طيف صاحبه وكأنه أمامه يخبره أو يستخبره في قصيدة منشدة في منتدى بامحسون الثقافي، وفي آخرها أمنية لكلّ من له فقيد عزيز:

لله أنت فهل في الوقت متسع حتى أبثك ماذا أحدث الجزع؟
أبا طلالٍ لقد خلّفت باكية والى عليها الأسى والفقد والوجع
ومن سيحضن أفراخًا رأوك أبًا أجفانهم بغزير الدمع تندفع؟
ومن يراعي حفيدًا كنت قدوته تركته بكبير الشأن يضطلع؟
وصاحبٍ هدّه هول المصاب أسى فقلبه من لظى الأحزان منصدع
يا ليت من رحلوا عنا ننادمهم وفي المسرات ندعوهم ونجتمعُ

اللهم ارحم الراحل، وأجبر قلب الباكية والبواكي، وهيئ للأفراخ والحفيد والأسباط من أمرهم ما يسرهم ويحفظهم ويرشدهم، واكتب أجر شاعرنا حامل لواء الوفاء، مع ألوية كثيرة من المحامد والمبادرات يعرفها من اقترب من رجل كريم يعيش حياته في روضة قشيبة عامرة باليمن والإيمان، وينعم بجوار البيت الحرام، والله يديم فينا أهل النبل والوفاء وحسن المعشر والمخبر، ويفتح على أبي أيمن بالقوافي الباقية الخالدة.

 

 

 

 

 

 

 

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف - مدونة العساف https://ahmalassaf.com/7338