عرفته منذ نحو أربعة عقود، كان في حينها وكيلاً لوزارة الداخلية، وكنت مسؤولاً في تلفزيون الرياض، ثم عرفته عن قرب بعد ما أصبح وزيراً للإعلام (1390هـ – 1970م)، وكنت في حينه على وشك إكمال مرحلة الدكتوراه، وأحتفظ له بكل تقدير فضل الموافقة على إكمالها في وقت كانت الوزارة في بداية عهده بحاجة إلى ملء بعض الشواغر القيادية.
ثم تعاملتُ معه عن قرب طيلة عمله وزيراً لهذه الوزارة، في زمالة كان يظللها الاحترام والصدق والصلاحيات الواضحة، حتىغادرها إلى موقع وزاري آخر بعد نحو خمس سنوات (1395ه – 1975م).
كان الشيخ العنقري قد خلف الشيخ جميل الحجيلان في وزارة الإعلام، فأكمل برامج ومشروعات نوعية وكمية كان قد بُدئ بها من قبل، ثم أضفى عليها ما كانت تحتاجه من الدعامات الإدارية والإسنادات القانونية، والمقومات (اللوجستية) التموينية، فشهدت الوزارة (الإعلام) في عهده فترة استقرار وتطور متدرج، وأسس لمرحلة جديدة من التوسع النوعي الأفقي والرأسي – وبخاصة في مجال الإذاعة والتلفزيون – كان في مقدمتها الإعداد للبثّ الملوّن، وإقامة المركز الرئيسي للتلفزيون وتوسيع شبكته، مع إضافة المزيد من المرسلات الإذاعية، وكان من أبرز ما أدخله على المنظومة الإعلامية تأسيس وكالة الأنباء السعودية (1390 هـ – 1970م).
لست هنا في موقف من يسرد قائمة ما له وما عليه في أثناء سنوات خمس، كنت فيها شاهداً على مرحلته، وشُرفت خلالها بالعمل معه وقريباً منه، كما أن المقام ليس بمقام تزكية أو مجاملات، فليس أيّ منا بحاجة إلى ذلك، وهو بالذات، ليس ممن يهتم بذاك، وقد عاش طيلة خدماته الجليلة التي أسداها لوطنه ما يزيد على نصف قرن أو يقرب منه بعيداً عن الأضواء أو استغلالها، لكنني أظن أن الإعلام السعودي، قد شهد في عهده تقدماً رصيناً هادئاً جسّد شخصية وزيره، واستفاد من مكانته وعلاقاته، وسارت دفّة سفينته بقيادة ربّان حكيم متعقّل، يقدّر عواقب الأمور، وأبعاد كل خطوة يخطوها، ويثمن خطورة الوسائل الإعلامية التي يمسك بزمامها، حافظاً لسانه أولاً ومنطق وزارته ثانياً عن الكلام الغلط وعن مزالق الترّهات وزلاّتها.
كان الشيخ العنقري قد أتى إلى وزارة الإعلام من خلفيّة وزارة الداخلية، وقد تزوّد بالخبرة الإدارية والقانونية والأمنية التي شكّلت له أرضية، كانت أفضل ما يحتاج إليها مسؤول في مثل حساسية موقعه، وظروف زمنه (التسعينيات الهجرية، السبعينيات الميلادية)، وبمثل عهد الملك فيصل- رحمه الله-، وقد أسميت فترته من قبل بالإعلام ذي الأبعاد الثلاثة: الإدارية والقانونية والأمنية، فضلاً عن الإبداعية.
إنني أعلم مرة أخرى، أن الحديث عن شخصية، قامةٍ في احترام نفسه واحترام الناس له، وقمة في قِيَمه وأخلاقياته ومُثله، وأن مثل هذه الشهادة لن تزيد فيه ولن تنقص منه، لكنها كلمات وخواطر اقتضتها مناسبة تفرّغه من مسؤولياته الإدارية، بعد أن خدم مليكه ووطنه ومجتمعه على أفضل ما تكون عليه الخدمة العامة، من نزاهة وإخلاص وموضوعية ووقار.
والمرجوّ أن يخصّ أبومازن تاريخ الوطن بشيء من وقت فراغه، لتسجيل مرحلة مهمة من تاريخ كل موقع عمل فيه، وهو خير من يقدر أهمية تسجيل المذكرات والذكريات والمعلومات في خدمة التوثيق الوطني بشكل عام.
وفقه الله حيثما كان، وأسعده في دنياه وآخرته