دافع هذا المقال قديم يتجدد، فلقد كتبت فيه مرتين، كان آخرهما في هذه الجريدة بمناسبة تولي الملك عبد الله بن عبد العزيز مقاليد الحكم في السعودية.
وهو يتجدد اليوم، بعدما ظهرت دعوات في السعودية، تنسب ان صحت، لوزارة الماء والكهرباء، تطالب بتقديم موعد الاختبارات المدرسية مدة اسبوعين، لتخفيف أحمال الكهرباء، بعد أن استسهلنا التبديل والتغيير في مواعيد الدراسة عبر العقود الماضية.
وما كنت لأخص هذه الجريدة بهذا المقال ذي الشأن المحلي الصرف، وهي جريدة تنتشر في عالمنا العربي، لولا أن قضايا التعامل مع احترام الوقت تكاد تصبح شأنا عربيا، بعدما انتقلت فيها العدوى من بلد إلى آخر، وصارت قطاعات الدولة لا تتكامل في بعض الدول الا في العاشرة صباحا.
وهو أمر تجدد في السعودية، بعدما صدر في العام الماضي جدول أقره مجلس الوزراء يحدد مواعيد الدراسة لعشر سنوات قادمة يفترض أنه قد أخذت فيه كل الاعتبارات، فاستبشر به المجتمع ظنا به أن يكون آخر التعديلات.
ثم صار موضوعا يتجدد في أثناء العام، عندما يعقد مؤتمر كبير أو يقدم زعيم كبير فنستسهل التفكير في اغلاق مدارس العاصمة للمساعدة في تخفيف حركة المرور، حتى صار المخلصون يتمنون لو تعقد تلك المؤتمرات في نهاية الأسبوع حتى لا تكون سببا في التأثير على مواعيد الدراسة في أذهان الناشئة والمعلمين وأولياء الأمور.
لقد أثارت دعوة تقديم الاختبارات بحجة مراعاة الاحمال الكهربية، وسواء صحت أو لم تصح، أخذ بها أو لم يؤخذ، أثارت في النفس شجونا تتراكم منذ عقود، عندما نتذكر، نحن الذين مررنا بالمسؤولية في قطاع التعليم، كيف كان التقويم الدراسي ـ بدء العام ونهايته ومواعيد اجازته واختباراته ـ تقرر على أسس فنية بحتة، ويصدر بها قرار مشترك من اللجنة العليا لسياسة التعليم، دون حاجة الى اقرارها من مجلس الوزراء أو الى مرورها عبر مجلس الشورى، وعندما أصبحت لاحقا تقرر من قبل أعلى سلطة تنفيذية صارت أكثر عرضة للتبديل والتغيير، دون اعتبار للأسس الفنية التي تبنى عليها عادة مثل هذه الأمور، ثم بدأنا في المجتمع السعودي نتداول فهما غريبا جديدا هو الفرح لمنح الطلاب اجازة عارضة أو لإعطاء الموظفين عطلة لدواع تتكرر أعذارها وأسبابها.
ثم صرنا نشهد اجازات مدرسية طويلة في عز الشتاء لم نكن نعهدها من قبل، فإذا ما جاء فصل الصيف، أصبحنا نحذر من انقطاعات الكهرباء، في بلد هو الأقدر على معالجة أوضاع الكهرباء بطرق أخرى.
والمؤسف، أننا من مر على التعليم، نعلم علم اليقين انه ـ أي التعليم مدة ونوعا وبيئة وتطبيقات ـ ليس الأفضل، مقارنة بمن نتمنى المقارنة معهم، ومع ذلك فإننا نمرر التعديلات المقترحة، ونشرب عليها الماء لتسهيل ابتلاعها، دون أن نصدع بكلمات حق لولي الأمر بخطورة مثل هذه التدخلات، بل لقد بلغ الأمر بمن كانوا بالأمس ينادون بإصلاح حال التعليم ويوردون الشواهد على أوجه الخلل فيه وقلة مدته وعدد ساعاته وأيامه، وبمجرد أن صاروا في موقع المسؤولية، اصبحوا يدافعون عن سلامة وضعنا التعليمي وكفاية أدائه، وربما بلغ بهم الامر الى الالتفاف على مجلس الشورى كي لا يستكشف الاخطاء والعيوب.
هذه الرسالة، ليست عتبا على من ينادي بتخفيف الأعباء على المرور أو الضغط على أحمال الكهرباء، لكنها عتب صريح على قادة الفكر وعلى رجال التربية والتعليم الذين لا يصمدون دفاعا عن احترام الوقت، وعلى حماية نظامها التعليمي من التغيير والتدخل، وعلى رفع أسوار الجدول الدراسي حتى لا تكون سهلة القفز عليها، ولنتذكر دائما ان حركة المرور وأعباء الكهرباء، يمكن أن تحل بطرق كثيرة غير المساس بأمور التعليم وإنتاجية الموظفين في القطاع العام.
* إعلامي وتعليمي سعودي