أسرة آل ثنيان، التي تنتسب إليها شخصية هذا الموضوع، هي فرع من آل سعود، تلتقي معهم في جدهم الأول: سعود بن محمد بن مقرن أبو الأسرة المالكة، ووالد الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة عام 1744م، وجد كل الأئمة والأمراء والملوك الثمانية عشر، الذين توالى حكمهم منذ بداية الدولة وحتى اليوم، وحكم بعضهم أكثر من مرة.
وكان ممن اشتهر من هذا الفرع الأمير عبد الله بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود بن محمد الحاكم التاسع في تسلسل حكام آل سعود، إذ حكم نجداً مدة عامين (1842/1841م)، وذلك إبّان الدولة السعودية الثانية، ثم اشتهر منه حفيده: محمد بن عبد اللّه بن الأمير عبد الله بن ثنيان، والد الأميرة عفت (حرم الملك فيصل ووالدة أنجاله: محمد وسعود وعبد الرحمن وبندر وتركي الفيصل، وبناته: سارة ولطيفة ولولوة وهيفاء الفيصل). كما عرف منه حفيده الثاني: أحمد الثنيان، موضوع هذا المقال، الذي يظن كثير من المؤرخين أنه والد الأميرة عفت والحال أنه عمها المباشر، كما اشتهر منه حديثاً حفيدان: عبد العزيز بن سليمان الثنيان وكيل وزارة الخارجية الأسبق الذي أصبح سفيراً في إسبانيا (وتوفي في عام 2000م)، وسعود بن عبد الله الثنيان، رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع حالياً.
وعودة إلى شخصية هذا المقال، الذي لا تتوافر معلومات وافية عن سنة ميلاده وسيرته، فإنه أحمد بن عبد الله (بن عبد الله) بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود، كانت أسرته هاجرت إلى تركيا في حدود عام 1843م، فولد ونشأ في اسطنبول، وتعلم هناك، وأتقن التركية والفرنسية والإنجليزية إلى جانب العربية، ثم عاد إلى نجد بعد عشرة أعوام من استقرار الحكم للإمام (الملك) عبد العزيز، الذي كان قد استعاد الرياض عام 1902م.
استعان الملك عبد العزيز بابن عمه هذا مستشاراً سياسياً لديه في إدارة الشؤون الخارجية، مستفيداً من معارفه، فكلفه بمهمات سياسية، كان في مقدمتها الإشراف على انسحاب الترك من مقاطعة الأحساء (مايو 1913م)، وقد خلف من الأولاد ـ حسب معلومات عبد الرحمن الرويشد ـ من الذكور: عبد الله وعبد الرحمن وعبد العزيز، ومن الإناث : الجوهرة ومنيرة، وتوفي عام 1923م.
تذكر المصادر أن الإمام عبد العزيز آل سعود بعثه عام 1922م لمقابلة الشريف حسين في مكة المكرمة، كما أوفده، ممثلاً عنه، في ما يمكن أن تعدّ أقدم مفاوضات مباشرة بين إمارة نجد وبريطانيا، جرت في جزيرة دارين السعودية على الخليج العربي، بعد انسحاب تركيا، وأسفرت عن معاهدة القطيف (ديسمبر 1915م) التي اعترفت بريطانيا بموجبها بالإمام عبد العزيز، وكان قد شارك فيها من الجانب البريطاني السير بيرسي كوكس، المقيم السامي في العراق، مصطحباً معه فيلبي (في زيارته الأولى للجزيرة العربية).
وبعد أربع سنوات كلفه الملك عبد العزيز بمرافقة ابنه الأمير (الملك) فيصل في أول رحلة سياسية تاريخية قام بها إلى أوروبا وعمره لم يتجاوز الرابعة عشرة، (1919م)، لتقديم التهنئة نيابة عن والده، إلى ملك بريطانيا (جورج الخامس)، ولحضور احتفالات الانتصار في الحرب العالمية الأولى، ولبحث بعض الأمور السياسية المتعلقة بالحدود والعلاقات بين حكام الجزيرة العربية.
وقد هدف الملك عبد العزيز من وراء اختيار ابنه فيصل للقيام بهذه المهمة، وهو ما يزال صغيراً، تدريبه على أمور السياسة، قبل عشر سنوات من تكليفه بإدارة الديبلوماسية السعودية وتعيينه وزيرا للخارجية، وقد شملت رحلته الأولى تلك زيارة فرنسا وبلجيكا، واستغرقت حوالي ستة أشهر، بدأها الوفد برحلة إلى البحرين، ليستقل باخرة متجهة إلى ميناء بلايموت في بريطانيا.
وفي عام 1922م، شارك الأمير الثنيان، موفداً من السلطان عبد العزيز، في مؤتمر المحمًرة بإيران، الذي عقد في مايو من ذلك العام بين سلطنة نجد والعراق (تحت الاحتلال البريطاني) للنظر في قضايا الحدود والعشائر بين البلدين، لكن اعتراض السلطان عبد العزيز على بعض بنود الاتفاقية أدى إلى عقد لقاء آخر ـ سعودي عراقي بريطاني ـ في العقير في ديسمبر من العام نفسه، في مفاوضات مباشرة بين السلطان عبد العزيز وبيرسي كوكس بحضور بعض الشخصيات العراقية، أسفرت عن اتفاقية العقير (ديسمبر 1922م) .
وكان أحمد الثنيان قد قام بمهمات سياسية أخرى في الكويت والعراق، لكنه اعتزل العمل السياسي بعد مؤتمر المحمًرة، وأقام في الأحساء حتى وفاته بعد فترة وجيزة (1923 كما سلف)، حيث حل مكانه الدكتور عبد الله الدملوجي، الطبيب العراقي الذي أصبح مستشاراً سياسياً في البلاط السلطاني، وقام بنشاط كبير إثر دخول الحجاز في الحكم السعودي (1925م)، وفي تأسيس مديرية الشؤون الخارجية (1926م)، وفي مرافقة الأمير فيصل بن عبد العزيز في رحلته الثانية إلى أوروبا (1926م)، قبل أن يعود إلى العراق ويصبح وزيراً لخارجيته.
وبالرغم من ندرة ما كتب عن أحمد الثنيان أقدم المستشارين السياسيين عند الملك عبد العزيز، فإن أهميته تكمن في كونه من أوائل أعضاء الأسرة الحاكمة، الذين حصلوا على التعليم الحديث، وعلى إجادة لغات أجنبية سهلت له المهمات السياسية التي كلف بها، وقد كتب ـ عنه بإيجاز ـ عدد من المؤرخين، من أمثال خير الدين الزركلي وأمين الريحاني وجيرالد دوغوري ود. عبد الله العثيمين وعبد الرحمن الرويشد، كما أورد الباحث العراقي المعروف نجدة فتحي صفوة نبذة مختصرة عن سيرته في المجلد الرابع من سلسلة: الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية، (دار الساقي 1999م لندن) مع الإشارات الكثيرة التي وردت بشأنه في تلك الوثائق.
وكانت استعانة الملك عبد العزيز ـ كما أصبح لقبه بعد عام 1925م ـ بأحمد الثنيان آل سعود، بداية لدخول عدد كبير من المستشارين السعوديين والعرب والأجانب في الديوان الملكي السعودي، للإسهام في تسيير مختلف الأعمال الإعلامية والسياسية والإدارية عند تأسيس المملكة العربية السعودية.
* كاتب وباحث سعودي وعضو مجلس الشورى