وباء شخصه الطب قبل مائة عام، لكنه بقي مرضا صعبا لم يحظ بعقار شاف، والمرض الأقل في معرفة المجتمع العربي به، والأدنى حظوة في اهتمام الجهات الصحية به، والذي لا تدري الإحصائيات الطبية في عالمنا العربي حجمه ومدى انتشاره.
مرض يضرب المسن في ذاكرته، ثم ينخر – بقدرة الله – في خلايا دماغه، حتى يعود المريض بعد حين إلى أرذل العمر، كما جاء في القرآن الكريم.والمؤكد أنه مرض معقد، لا تكاد أسرة تنجو من مكره وغدره، وهو متى ما أصاب فريسته المسن، فإن ملازمه يقع في حيرة من أمره، يرتبك في أسلوب التعامل معه، فلا هو بالمُقعد، ولا هو بالسوي، ولا هو بالشاكي، ولا هو بالمعبّر، يتدفق جسمه حيوية دون وعي بما يتلفظ به، أو تمييز بما يصدر عنه، أو إدراك لتصرفه، وإذا ما تمكن المرض منه بمرور السنين الأولى، فإنه لا يعرف كيف يلبس، ولا يفهم ماذا يأكل، ولا يهتدي إلى مسجده أو بيته أو غرفته، ولا يفرق بين ذويه من حوله، يخلط بين الأرقام، ويكثر من التوهم والاتهام، ويتصرف بلا شعور، ويعود طفلا كما كان في سنينه الأولى.
تضطر الأسر، خطأ، إلى حجبه عن الأنظار، وتحصر مكان تجواله، وتحكم عليه بالتخريف، وتأخذه على قدر تفكيره، كما يقال.
قبل عام، نهض متطوعون، مثقفون وأطباء، ورجال أعمال، وذوو مصابين، وطلاب وطالبات، تجمع بينهم رغبة التطوع بعيدا عن الأضواء، والعطاء دون انتظار ذكر أو شكر، ويحدوهم الأمل بالأجر، والرجاء بالثواب، وتدفعهم الحمية لأحبتهم المسنين، يقودهم أحمد بن عبد العزيز الإنسان، هدفهم لفت الأنظار إلى هذا المرض الخبيث، وكسب الاعتراف بخطورته، ومعرفة أرقامه، وتوفير المعلومات عن المتخصصين في علاجه في كل منطقة، يهمهم أن يصلوا إلى عمق الوطن، من تهامته وسراته إلى أحسائه، ومن جوفه إلى نجرانه وجازانه، لحث الأهالي على نمط من التعامل مع المرضى قوامه الإفصاح عن الحالات، حتى تحظى ولو بالعقاقير المخففة، ومشاركة الأقارب والمحيطين لفهم الحال، أملا في التخفيف عن المريض، وتحمل العبء مع ذويه.
تضافرت جهود هذه الجمعية الخيرية، التي لا يوجد لها في عالمنا العربي سوى مثيل واحد، لإقامة الندوات التعريفية، والتواصل مع المنتديات الثقافية وإنتاج الشرائح الفيلمية الإرشادية، والكتيبات التوعوية، والعمل على تنظيم ورش عمل في أنحاء البلاد للأطباء المتخصصين في الأمراض ذات الصلة (الأعصاب، النفسية، القلب، جراحة المخ) وورش عمل أخرى لتدريب أهالي المرضى على حسن رعايتهم منزليا، ولإجراء دراسات مسحية، ولتكوين قاعدة معلومات وطنية عن المرضى وأعدادهم وأعمارهم (في حقول الشيخوخة).
تتفاوت الآراء حول الأسباب، فمنهم من يراها في التغذية، ومنهم من يعزوها إلى عوامل مرضية، كالسكر وضغط الدم وخلافهما، ومنهم من يقترح أفكارا للوقاية والتحجيم، ولكن تبقى النتيجة واحدة، وهي الخرف التدريجي الذي قد يؤدي بعد أعوام إلى تلف خلايا الدماغ وإلى النتيجة المحتومة، أو كما سمته إحدى الوثائقيات التلفزيونية: مرض الوداع البطيء (The Long Goodbye)، وتبقى الحقيقة الثابتة عالميا أنه يصيب 7% من المسنين.
طرقت الجمعية أبواب وسائل الإعلام، وعالم الإنترنت، والرسائل القصيرة، سعيا إلى تكثيف الجهود لتحقيق مقاصدها النبيلة، ولتتعرف على الأرقام، ولتخوض ميدان البحث العلمي، وعلى الجديد في علاجاته، والتواصل مع المماثل من الجمعيات الدولية المتخصصة.
كانت تدرك منذ البداية أن التصدي لمثل هذا العمل الخيري ليس بالأمر السهل، وأنه التحدي الأكبر للصبر والتحمل، وأنه اختبار للولاء للوطن، فأعانها الله، واستمرت تتخطى الصعاب، يدفعها الإيمان، وتحفزها الإرادة، وتقف معها دعوات المجتمع، ويدعمها المسؤولون كبيرهم وصغيرهم والمحسنون بفضلهم، تضرب المثل لجيل من المتطوعين الشباب يشمّرون عن سواعدهم كل مساء، لإدخال البيانات، وتوصيل الدعوات، وإرسال الفاكسات، وتنظيم اللقاءات، وتشغيل الموقع الإلكتروني.
اليوم، تقف الجمعية السعودية الخيرية لمرض الزهايمر، على نقطة تحول جديدة منذ نشأتها قبل أشهر، تريد أن تعرض في دار تجار الرياض (الغرفة التجارية الصناعية) – وأمام أمير منطقة الرياض سلمان بن عبد العزيز الذي كان يتابع ولادتها – أنها أحدث المواليد في عاصمة مملكة الإنسانية، وأنها قد انضمت إلى شقيقاتها من الجمعيات الخيرية، وأن غاية ما ترجوه من هذا اللقاء هو الدعاء لها بالتوفيق، وللمصابين برفع الضر، وللمشافـي أن تفسح المجال لتشخيصهم، وللبشرية كافة أن يقيها الله شر البلاء والوباء.
* إعلامي سعودي.. عضو الجمعية السعودية الخيرية للزهايمر