الشبيلي: البيئة الحجازية مليئة بالمظاهر والعادات الحضرمية


قدم الباحث السعودي الدكتور عبد الرحمن الشبيلي بحثا بعنوان «التأثير الثقافي المتبادل بين حضرموت وبلاد الحرمين الشريفين»، وذلك بمناسبة اختيار مدينة تريم بحضرموت عاصمة للثقافة الإسلامية للعام الحالي.

ومديرية تريم واحة خضراء في أخدود تخترقه وديان، تسيل منها السيول الموسمية، وتقع في الجزء الشرقي لمحافظة حضرموت، وهي أقرب إلى منطقة وسط وادي حضرموت، ويسكنها نحو 120 ألف نسمة.

تسلط الورقة، التي أعدها الدكتور الشبيلي، الضوء على العلاقة الثنائية المتبادلة بين منطقة الحجاز كجزء من السعودية وحضرموت، مستعرضا فيها العوامل التاريخية والجغرافية والاقتصادية والثقافية التي أثرت في هذه العلاقة، وأسهمت في تطورها منذ أربعة عشر قرنا، وعددا من الملامح المشتركة في الحياة الاجتماعية والمشهد الثقافي والواقع الاقتصادي في حضرموت والحجاز. وتأتي هذه الورقة بعد زيارة قام بها الشبيلي ومجموعة من المثقفين السعوديين إلى مدينة تريم في مطلع 2008. يقول الشبيلي عن تلك الزيارة: «لقد شغفت نفسي بالبحث عن الأواصر الثقافية التبادلية بين بلاد الحرمين الشريفين وبلاد حضرموت في أقصى جنوب الجزيرة العربية، فوجدت أنني أمام موضوع واسع، لكنه ظل، رغم أهميته، مغلقا لم يطرقه الباحثون من قبل».

ويرى الشبيلي أن مناسبة اختيار المدينة التاريخية (تريم)، التي يصفها بأنها مدينة الجوامع والمدارس العلمية، ومجالس العلماء والفضلاء، وصوامع المخطوطات، ودور الفقه والإفتاء، عاصمة للثقافة الإسلامية، تطمئن الباحثين والمهتمين بأن التاريخ يعيد إلى المدن كرامتها، ويحفظ للعلماء فضلهم، ويختزن في ذاكرته مجد العلم والتراث.

وفي هذه الورقة يؤكد الشبيلي ثنائية العلاقة ذات التأثير المتبادل بين حضرموت والمدن السعودية، ففي الوقت الذي امتلكت فيه مكة المكرمة قوة المصدر الديني وقدسية المكان لتؤثر في ما حولها، كان لانتشار الهجرات الحضرمية إلى منطقة الحجاز تأثيره في صبغ الحياة الاجتماعية هناك بمظاهر التراث الحضرمي، وهو ما نتج عن تشابه يلحظه أي زائر لمدينتي جدة والمكلا في الملابس والفنون وبعض الأنماط الاجتماعية. ويستشهد الشبيلي بمترجم الملك عبد العزيز عبد الله بلخير، الذي عمل سكرتيرا للملك سعود، كأنموذج للحضور الحضرمي في الدولة السعودية، إضافة إلى أسماء أخرى، مثل صلاح البكري، ومحمد سعيد العامودي، وعلي حسن فدعق، ومحسن باروم، ومحمد سعيد باعشن. وعلى الجانب الآخر كان التأثير السعودي متجليا في المدارس الدينية التي افتتحها رجال دين قدموا من الحجاز، ومن بينها مدرسة رائدة للبنات، إضافة إلى تولي قضاة من الحجاز منصب القضاء في المكلا، مثل الشيخ عبد الله الرواف.

وعلى العكس من الاعتقاد السائد بأن الحجاز ذات تأثير أقوى في العلاقة الحضارية المشتركة بين السعودية وحضرموت، يرى الشبيلي أن كثيرا من الموروثات المستقاة من الثقافة الحضرمية في أنماط الفنون والملابس والمأكولات قد تغلغلت في البيئة الحجازية، وذلك لسببين، هما كثافة الهجرة الحضرمية من ناحية، والارتياح النفسي المتبادل بين الشعبين الملتحمين الذي تولد عن الرابطة المشتركة في العرق والأصل والدين. وكأنموذج لهذا التبادل الثقافي يوجد في مجتمع الحجاز تقليد حضرمي، لا يزال باقيا إلى اليوم، وهو عادة «الروحة» التي يلتقي فيها بعضهم مساء كل يوم جمعة لترديد بعض الأناشيد والأدعية الدينية.

ويرى الشبيلي أن هذه العلاقة المشتركة نتجت عنها بيوتات بارزة في المشهد الحجازي، من أصحاب العلم والثروة، تعود إلى أصول حضرمية. ويشير إلى دور الحضارمة في مشاريع توسعة الحرمين الشريفين والديوانيات الثقافية التي تبرز في المشهد الثقافي السعودي ويقوم عليها مثقفون حضارمة، مثل ديوانية «باجنيد» و«بامحسون».

وأشار إلى دور الكتب والمخطوطات، بما فيها من مضامين علمية وثقافية أدبية وإنسانية وتاريخية وجغرافية، في تشكيل واحدة من أقوى الأواصر المتبادلة بين الإقليمين، حيث إن المكتبات الحضرمية والحجازية هي أول ما تتوجه إليه أنظار الباحثين والعلماء والمؤلفين والمثقفين في الإقليمين بعد قصد المكتبات في السعودية.

ويستشهد الشبيلي في إشارة إلى دور الإنسان الحضرمي في بيئة الجزيرة العربية بما قاله العلامة حمد الجاسر: «مما يؤسف له أن كثيرا من مثقفي بلادنا يجهلون ما لأبناء حضرموت من آثار في مختلف العلوم قديما وحديثا، وأن لهم من قوة الاتصال، ومن الروابط الوثيقة بإخوانهم من هذه البلاد، منذ أقدم العصور إلى عصرنا الحاضر، ما ليس لغيرهم».

ويذكر الشبيلي عددا من المراجع التي تناولت العلاقة المتبادلة بين حضرموت والحجاز وباقي المدن السعودية، ومنها «الدليل المشير إلى فلك أسانيد الاتصال بالحبيب البشير»، وهو من تأليف أبي بكر بن أحمد بن حسين الحبشي العلوي، القاضي في مكة المكرمة، وقد طبع عام (1997)، و«بين مكة وحضرموت» لعاتق بن غيث البلادي الصادر عام (1982)، و«تاريخ حضرموت السياسي» المطبوع عام (1936) لصلاح البكري، الذي قدم فيه دراسة تاريخية وجغرافية وسياسية وأنثروبولوجية لحضرموت منذ عصر ما قبل الإسلام، كما أتى على هجرات الحضارمة إلى مهجرهم الشرقي والغربي والشمالي، وكيف كان القضاة الحضارمة يحتلون مراكز عليا في تلك البلدان، إضافة إلى مجموعة من الكتب التي توثق حضور علماء حضرموت وتأثيرهم في الحياة العلمية في مكة المكرمة، ومنها: كتاب «الجواهر الحسان في تراجم الفضلاء والأعيان من أساتذة وخلان»، نشرته مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي (2006)، من تحقيق الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ومحمد إبراهيم علي، وتأليف العلامة زكريا بن عبد الله بيلا، و«المختصر من كتاب نشر النور والزهَر في تراجم أفاضل مكة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشَر» لمؤلفه عبد الله مرداد أبي الخير، من اختصار محمد سعيد العامودي وأحمد علي.

ويرى الشبيلي أن المثقفين في بلاده لم يتناولوا هذه العلاقة بالقدر ذاته الذي تناولها به المثقفون الحضارمة، «بينما رأينا العشرات من الكتب التي ألفها مثقفون من أهل حضرموت، وسجلوا فيها تاريخها القديم والحديث، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فإننا لا نجد إلا القليل مما سطره كتاب سعوديون عن حضرموت، وعن التواصل الثقافي بينها وبين بلاد الحرمين الشريفين، وذلك على الرغم من قوة ذلك التواصل وعمقه وقدمه عبر التاريخ، ولعل أبرز ما يجده الباحث في رفوف المكتبات لا يتعدى بضعة كتب»، كما يقول.