الفائز بالفضل والتواضع


من الوظائف التي شملها التغيير الأخير في بعض أجهزة الدولة ودواوينها منصب رئيس ديوان المظالم، الذي حل فيه فضيلة الشيخ محمد عبدالله محمد الأمين الشنقيطي محل الشيخ حمود بن عبدالعزيز الفايز، نفع الله بالسلف والخلف وزادهما أجراً وتوفيقاً.

وبينما كنت لأعوام أحتفظ بصداقة أخوية راسخة مع معالي الشيخ الفايز، غير أنني لم أظن أن ظرفاً سيكشف عن مجالها حتى حلّت هذه المناسبة، التي وجدت فيها فرصةً لتبيان بعض خصاله ومناقبه التي عرفتها فيه.

لكنني أبدأ أولاً بإسراء الفضل والعرفان لجميل مجلس الشورى على كل أعضائه الذين مرّوا فيه، فلقد حملوا معهم من بين ما اكتسبوه من عضويته معرفة زملائهم الآخرين وصداقاتهم، وامتداد التواصل معهم واكتشاف كفاياتهم الفكرية والإدارية والاجتماعية، وقد كانت معرفتي بفضيلته بدأت مع المجلس ولم تنته بانتهائها، بل ازدادت وثوقاً ومحبة وحميمية.

أما صاحب الفضل الثاني على ديمومة هذا التواصل بيننا من (خريجي) المجلس، فإنه زميلنا المشترك الصديق د. زياد بن عبدالرحمن السديري، الذي سار، منذ أن جمعنا المجلس، على جمع زملائه وترتيب رحلة برية سنويّة، قوامها رياضة المشي، وما فتئ ينظمها منذ سبعة أعوام، واستمرت بعد انتهاء العضوية، وظل الشيخ الفايز أحد أركانها الأساسيين، أما لماذا نعترف لهذه الرحلة السنوية بكل هذا المقدار من الجميل، فإنه تصديق للأثر القائل بأن السفر خير وسيلة لمعرفة الرجال والأقران.

يمثّل حمود الفايز في نظر هذه العشيرة المتحابة والمتصافية من الشوريين الرحالة (شيخهم) ومرجعهم، لكنه بقدر ما تعترف له المجموعة بالفضل، فإنه يقدّم غيره لإمامة الصلاة، زميلاً أصبح الإمام (الراتب) الدائم للرحلة.

يُذكر لفضيلته أنه من المعروفين برياضة المشي اليومي، ولولا أنه يمارسها على مدار العام، لما أصبح مؤهلاً من طليعة المشاركين في الرحلة وأصبرهم وأكثرهم جَلَداً ومثابرة وتحمّلاً، ومن طريف ما نتذكره، بينما كنت أحاول في رحلة العام الماضي مجاراته – غرب الدهناء – في هذه الرياضة المحببة، تعرضنا للضياع مرتين في يوم واحد، مما اضطرنا للمشي ضعف المسافة المقررة، وكانت الشمس قد غابت علينا في (الضيعة) الثانية، مما أدى إلى استنفار (نشامى) الرحلة للبحث عن المفقودين، إلا أن الأمر لم يصل إلى حدّ استدعاء فرقة من الدفاع المدني، بعد أن أنقذتنا شهامة أحد الرعاة، وبقيت هذه التجربة إحدى الطرائف التي تمر على هذه الرحلة وتؤرّخ بها.

الشيخ حمود، فضلاً عن كفاياته العلمية الشرعية، اكتسب كثيراً من شمائل شيخه الراحل محمد بن جبير، وكان رافقه قاضياً في ديوان المظالم، ثم عضواً في مجلس الشورى، وورث عنه سمات من الهدوء والوداعة والسماحة ولطف المؤانسة في مثل هذه الرحلات، وقد كان لي شرف صحبة الشيخين ومجالستهما طويلاً في عدد من السفرات الشورية والخاصة، والتعرف على طبائعهما.

وهو راوية وشاعر، يصغي جيداً لمحدثه، ويغمر زائره بكثير من اللباقة واللطف، وهو منطقي في نقده وتحليله.

الشيخ (أبو فيصل) من أسرة (آل فايز) المعروفة في إقليم الوشم، ولد في بلدة أخواله (المذنب) جنوب القصيم (عام 1359هـ)، وقد بدأ مشواره في التدريس سنة 1381هـ ثم مارس القضاء في هيئة التأديب وديوان المظالم قبل اختياره عضواً في مجلس الشورى، ثم تفرغ لرئاسة ديوان المظالم في السنوات الماضية