الفهد .. ثلاثة وخمسون عاما في خدمة الأمة


أوجه شبه عديدة تجمع بين سيرة الملك عبد العزيز ونجله الملك فهد، وإن كانت الظروف الزمانية والمكانية والحال تختلف بين عهديهما، فالملك عبد العزيز ظهر في مرحلة كانت الجزيرة فيها في حال من الفوضى والجهل والعدم، فقاد جهود التأسيس والتوحيد وبدء البناء والتنظيم ووضع اللبنات الأولى للكيان، في كفاح متواصل دام نحو ثلاثة وخمسين عاما اقام فيها دولة راسخة البنيان، موحدة الأجزاء، محمية الأطراف، عزيزة المقام، تستمد شرعيتها من قبول شعبي وامتداد تاريخي وازدهار حضاري وكفايات ومهارات وقدرات لم تبلغها كثير من بيوت الحكم في العالم.

وفي العام نفسه الذي توفي فيه والده المؤسس (1953)، بدأ نجم ابنه السادس فهد يبزغ من جديد، يقتبس من سيرة والده، ويستفيد من مدرسته، ويسير على نهجه، ابن الثانية والثلاثين، الذي قدر له ان يعيش بجوار والده، يرقب حركاته وأساليبه، ويلحظ تعامله مع الدول والزعماء، ويعايش ما يجري حوله من فنون القيادة والحكم.

ثم قدر لهذا الشاب النابض بالحيوية والانفتاح والتعقل الذي كانت قد اسندت اليه وزارة المعارف مع نهاية عهد والده، قدر له ان يكون قريبا من مصادر صنع القرار في عهد أخيه الملك سعود (1953 ـ 1964)، وأخيه الملك فيصل (1964 ـ 1975) وأن يشارك فعليا في ادارة دفة السياسة والحكم الى جانبهما، الا انه في عهد أخيه الفيصل يخطو خطوة اخرى نحو القمة، عندما اختاره نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء في وقت كان انتقل فيه من وزارة المعارف الى وزارة الداخلية.

ومن نافلة القول ان نستذكر الآثار التي خلفها في وزارة المعارف، وهي الوزارة التي كانت اعمالها تمثل حجر الرحى في كل عمليات التنمية، فلقد نقل التعليم من البدايات الأساسية التي تحققت في عهد والده الى حيث الانتشار الكمي والارتقاء النوعي الذي شهدت به البلاد انشاء نواة اول ثلاث جامعات في البلاد (وهي جامعة الملك سعود في الرياض، وكليات الشريعة واللغة العربية في مكة المكرمة والرياض).

ثم انتقل الحكم الى أخيه الملك خالد (1982)، الذي وجد في أخيه فهد الكفاية الذهنية والادارية، والمهارة القيادية التي جعلته يوكل اليه تصريف الكثير من شؤون الدولة اليومية، ويسير معه في تناغم وانسجام تامين، أفادا في الاستفادة من الطفرة المالية الغامرة التي مكنت البلاد من الانتقال الى مرحلة من الرخاء والازدهار.

من هنا، فان من سيكتب تاريخ الملك فهد لا بد ان يتوقف عند كل مرحلة من المراحل التكوينية الثلاث التي مر بها (وأعني مرحلة التكوين في عهد والده، ومرحلة التأهيل في عهد أخويه سعود وفيصل، ثم مرحلة المشاركة في عهد أخيه خالد).

وما ان تولى الحكم في عام 1982، وهي مدة تقرب من ربع قرن، وعمره آنذاك يقارب الستين، حتى كان قد حاز كل عناصر المهارات السياسية والادارية التي استفادها من ذخيرة خبراته المتراكمة، يضاف اليها كثير من عناصر القدرات الشخصية والسمات الانسانية التي كان قد ورثها من أبيه وأسرته وأجداده.

وإذا كان المراقب الداخلي يذكر له بالفضل الكثير من الانجازات التي حققها على صعيد وطنه وإنمائه، تعليميا واجتماعيا واقتصاديا، ويذكر له المراقب الخارجي حنكته السياسية التي أدار بها قضايا بلاده، وبعض المشكلات السياسية المعقدة والعلاقات البينية الشائكة بين بعض الدول، فإن انجازاته في إعمار الحرمين الشريفين، وفي ادارة تجنيب بلاده أضرار احتلال الكويت، وفي اعادة تنظيم الأمور الدستورية للحكم الداخلي في البلاد (وأعني بها صدور الدستور الوطني واعادة تنظيم مجلس الشورى ومجلس الوزراء ومجالس المناطق) تعد بلا شك الأبرز التي جعلت عهده بكل المقاييس يمثل ميلاد الملكية الرابعة للدولة السعودية.

* إعلامي سعودي