المعاني الصائبة في نظرة الشيخ العثيمين لمسألة التعازي


كانت وفاة الشيخ محمد العثيمين قبل ثلاثة أسابيع مناسبة ألقت الضوء على موقفه وموقف الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمهما الله تجاه مسألة التعازي، من حيث الجلوس لتبادلها واستقبالها، أو تحديد مدتها، أو مواعيدها، أو ما صار يصاحبها من إسراف في نشر الإعلانات وتقديم الولائم والمباهاة بها.
لم يكن موقفهما هذا جديدا، فالقريبون منهما كانوا يعرفون رأيهما في هذه المسألة، كما لم يكن رأيهما يصل عندهما حسب إيضاح الدكتور عبدالله العثيمين إلى حد الوصيّة أو الفتوى القاطعة، لكنه مما كانا يميلان إليه، وهو ما نهجه الشيخ العثيمين نفسه عند وفاة والديه، رحمهما الله.
والمتأمّل لما كان يراه فضيلته في هذا الشأن يجد فيه أوجهاً إيجابية عدة، فمما لاشك فيه أن تلك التقاليد التي أصبحت ترافق إقامة التعازي قد دخلت حديثاً إلى المجتمع، ولم تكن معروفة في معظمه من قبل، وقد يتنافى بعضها مع ما عرفت عليه هذه البلاد من حيث نقاء العادات والعبادات وصفاؤها.
ثم إن إقامة التعازي وما صار يصاحبها من مبالغة في النشر والمظاهر حتى أنها في بعض مدن المملكة تحجز لها صالات الفنادق مثل حفلات الزواج أصبحت تمثل أموراً مالية مكلفة، كان يمكن توجيهها لأعمال الخير، وإنفاقها فيما ينفع الأسر المحتاجة، وتوجيه صرفها نحو ما يعود على المتوفى بالدعاء، وعلى المنفقين بالأجر.
ويذكر أن المجلس الأعلى للإعلام كان قد أوصى عند بدء تفشِّي ظاهرة إعلانات التعازي بالحد منها على اعتبار أنها دخيلة من ناحية، وعلى أمل أن توجّه نفقاتها نحو الجمعيات الخيرية أو نحو أمور نافعة للمجتمع.
وبالإضافة إلى كل ذلك، أصبح يرافق إقامة التعازي سفر وترحال، والكل يعلم مخاطر ذلك، وما قد ينتج عنه من حوادث، ولنا أن نتصور الأعداد الهائلة التي كانت تعدّ نفسها للسفر إلى مسقط رأس الشيخ العثيمين عنيزة للمشاركة في التعبير عن مشاعرها، ولمواساة أسرته وذويه.
قد يقول قائل: إن في إقامة التعازي براً بالمتوفى وفرصة للترحم عليه والدعاء له، ومناسبة للتواصل الاجتماعي والأسري يعين على صلة الرحم والتصافي وإزالة الشحناء بين افراد العائلات، وأنها تساعد في تنظيم أمر اجتماعي لم يصدر بمنعه فتوى شرعية,,, وهي حجج صحيحة، لكن الواقع أن مجتمعنا يقف أمام أمر بدأ يتطور، وصارت تحدث فيه مبالغات ومظاهر، واصبح يوشك على التأصيل، وصارت الأسر معه تتناظر في تطبيقه، وربما صار عدم الأخذ به كما حدث عند وفاة الشيخ رحمه الله مدعاةً للاستغراب.
لقد كان الشيخ رحمه الله من الحكمة بحيث لم يوص بذلك، لكنه ترك لنا أثراً محموداً يستحق التفكير والتأمل في إيجابياته، والحريّ بالعلماء والمفكرين والدعاة أن يوجهوا الأمة إلى تبيان السلبيات التي أصبحت تصاحب عادة إقامة التعازي، والتشجيع على المحافظة على إيجابياتها بالأساليب المتواضعة والحسنة والمشروعة,,, والله الموفق.

*