في كل مرة كنت ألتقي به أسعد بالإصغاء للقصص التي كان يرويها بفخر واعتزاز، وأستمتع بسماع الأشعار الطويلة التي اختزنتها ذاكرته عبر السنين، كنت أشعر بمدى عظمة الإنجاز الذي حققه شعب هذه البلاد وقياداته الأولى لتوحيد شتات هذه الجزيرة في وطن واحد مجيد وكيان عتيد متماسك.
التمامي، هو من أعيان المزاحمية، خسره الوطن قبل يومين عن عمر ناهز القرن، كان شاهد القرن الماضي بكل ما احتضنه من بطولات التأسيس ومعجزات التنمية، ونموذجاً لجيل بدأ ينقرض واحداً تلو الآخر، حتى أصبحت بقيته تعد على الأصابع في كل منطقة، جيل قامت هذه الوحدة على أكتافه كل حسب مقدرته، فأسهموا فيه بأرواحهم، ودمائهم، وإمكاناتهم المادية المحدودة وجهودهم وآرائهم، تقودهم إرادة المؤسس العملاق لتأسيس هذه الدولة وبناء هذا الصرح العظيم.
جيل لم تكن بحوزته طائرات أو دبابات، ولم يكن يمتلك وسائل نقل حديثة، أو سبل إعلام متطورة، بل لم يكن يقتني أدنى مقومات الحياة العصرية المساندة، ومع ذلك فقد ذلل تخوم هذه الصحراء، وقهر أصقاعها، وحقق معجزة لولا توفيق الله له أولاً، ثم عزيمة قائده ثانياً، ثم اخلاص رجاله البواسل ثالثاً ومناصرتهم وتضحياتهم وحماستهم وتفاعلهم، لما كانت تتحقق اليوم دولة عصرية شاخصة مترامية الأطراف تعيش الطمأنينة بكل معانيها، والرخاء بكل صوره، والعصرية بكل أشكالها وأنماطها.
ناصر التمامي، الذي عاش النصف الثاني من عمره يتغنى بأمجاد وطنه، وببطولات رجالاته، ويروي ما شاهده وعاشه مما مر على المصمك من أحداث وتاريخ، كان واحداً من آلاف الأوفياء الذين حملوا الإيمان في قلوبهم، والهدف في أذهانهم، والبندقية على أكتافهم، والزاد المتواضع على ظهورهم أو رواحلهم، ومشوا على أقدامهم أكثر مما امتطوا ركائبهم، فأوصلوا هذه البلاد إلى بر الأمان والوحدة والعزة والكرامة، وأعادوا أمجاد الماضي الإسلامي، وسطروا تاريخاً ناصعاً لشعب هذه الأرض دون تدخل أجنبي، وحققوا وحدة خالية عجيبة لم تتكرر مثيلاتها إلا في حالات نادرة.
فهل يا ترى وفينا هذا الجيل حقه، وحفظنا له جميله، وخلدنا أسماء أفراده بالتقدير الذي يستحقه؟
رحم الله التمامي الذي تكحلت عيناه قبل أن تغمضا برؤية أحد أعماله الخيرية بما تبقى له من حطام الدنيا وترابها، ورحم من سبقه وكل من بقي بعده من الآباء والأجداد، فلقد كانوا أمجاد هذا الوطن، ومصدر أمنه وفخاره وعزه وعظمته