بمناسبة اليوم الوطني السعودي.. ملاحم شعرية توثق ملحمة سياسية


حظي توحيد المملكة العربية السعودية سياسياً عام 1932، وما سبقه من أحداث أو تلاه من بناء، بعدد من الملاحم الشعرية التي نظمها شعراء عاصروا المرحلة أو قرأوا عنها.

والمعروف أن تلك الملحمة السياسية، التي أسفرت عن قيام الدولة السعودية المعاصرة، قد بدأت عندما قاد الملك عبد العزيز آل سعود حملة لاستعادة عاصمة الدولة الرياض (1902) واستمر مدة ثلاثة عقود يجمع شتات أقاليم من شبه الجزيرة العربية (نجد والأحساء والحجاز والجوف وعسير ونجران وتهامة وغيرها) علماً بأن حائل تعد جغرافياً من نجد.

وباكتمال اصطفائها تحت سلطته، اندمجت في دولة موحدة، تحت علم واحد، وعاصمة مركزية، ثم تفرغت القيادة للبناء الدستوري والتنموي، وتوطيد الأمن، والبحث عن مصادر الثروة واستثمارها.

كان توحيد المملكة العربية السعودية، في ضوء ظروفه وإمكاناته وزمانه، أسطورة أقامت أكبر دولة عربية في المشرق العربي (الآسيوي)، لا يماثلها في مساحتها في العالم العربي سوى الجزائر والسودان.

ثم أراد الله أن يكتب لمؤسسها الراحل (الملك عبد العزيز) عقدين إضافيين من العمر، حتى يشهد بوادر تحقيق أهدافه بعد أن تجسدت أحلامه واقعاً، إذ توفي عام 1953 بعد حكم دام ثلاثة وخمسين عاماً وعمر تجاوز الثمانين.

صارت تلك الأسطورة ـ التي مزجت العمق الإيماني مع الدهاء السياسي وفن الإدارة وبعد النظر ووضوح الهدف والرؤية، والإقدام العسكري، واحتواء الأعداء، وتأليف القلوب، واصطفاء الرجال والإغداق النديّ، ومكارم الخصال ـ محل تباري كبار الشعراء لتوثيق تفاصيلها ورصد ملامحها ومشاهدها، ولم يقتصر ذلك التدوين على الشعراء السعوديين أو المعاصرين لتوحيد المملكة، بل جذبت ـ أي أسطورة التوحيد ـ وانجذب إلى النظم فيها شعراء لاحقون، وشعراء من مختلف الأقطار العربية، وهناك شعراء كتبوا فيها قصائد مطولة، أو سجلوا أحداثاً معينة، لكن قصائدهم لا تبلغ مصطلح الملاحم (أو الملحمات) ومنهم على سبيل المثال (خير الدين الزركلي وعبد الله بالخير وأحمد بن إبراهيم الغزاوي ومحمد بن عبد الله بن عثيمين وفؤاد شاكر ومحمد بن بليهد وحسين سرحان والشاعر النبطي محمد العوني وغيرهم).

يذكر الأديب السعودي د. محمد الربيّع، واضعاً وصفاً اجتهادياً للملاحم بأنها: المطوّلات الشعرية، التي يغلب عليها التصوير الأسطوري كما عرفت في الأدب اليوناني، وتدوّن مراحل تطور الحدث أو حياة الشخصية التي تكتب عنها.

ومن هذا المنطلق، اقتصرت في هذا المقال على اختيار خمس ملاحم شعرية تناولت قصة توحيد المملكة العربية السعودية، وهي:

1 ـ ملحمة «أحسن القصص»: للشاعر خالد الفرج (المتوفى سنة 1954)، وقد طبعت في القاهرة في 130 صفحة في حدود عام 1929، من تقديم محمد علي الطاهر صاحب جريدة «الشورى» المصرية، وتغطي الملحمة العقود الثلاثة الأولى من حكم الملك عبد العزيز (حتى دخول الحجاز في حكمه)، وكان المفترض أن يلحق بها ملحمة أخرى متممة. وقد ورد في ديباجة الملحمة:

هوذا الدهـر أكبـر الإسفـار

فيه أسمى العظـات والاعتبـار

ما الليـالي فيـه سوى أسطار

في طروس من نسج طول النهار

ملئـت من تقـادم الإعصـار

صفحـات ملئـن بالأخبـار

لـذوي الاتعـاظ والإخبـار

2 ـ ملحمة «عيد الرياض» للشاعر اللبناني بولس سلامة، والتي بالرغم من نظمها متأخراً، إلا أنها تعد العمل الأضخم بين تلك المعلقات ـ إن جاز التعبير ـ المماثلة، كما أنها صدرت عن شاعر عاصر لكنه لم يعايش الأحداث.

المعروف أن بولس سلامه (المتوفى عام 1979) ولد عام استعادة الرياض (1902) وكتب هذه الملحمة ـ التي قاربت ثمانية آلاف بيت ـ في ثمانية أشهر من عام ،1955 أي بعد عامين من وفاة الملك عبد العزيز، وقد طبعت عدة طبعات في مطابع بيبلوس في بيروت وصدرت الطبعة الثالثة التي لدي عام 1965 .

بدأت الملحمة بالبيتين الآتيين:

يا مليك الحياة أنزل عليّا

عزمة منك تبعث الصخر حيّا

جود كفيك إن تشأ يملأ

العيش نماءً ويفرش الجدب فيّا

3 ـ ديوان «الملاحم العربية» للشاعر الكويتي محمود شوقي الأيوبي (المتوفى عام 1966) وهو يضم 27 قصيدة في قرابة ثلاثة آلاف بيت نظمها في فترات متباعدة، ما بين الكويت والسعودية وفي أثناء إقامته في إندونيسيا، فالديوان، وإن ضم قصيدة بعنوان: «ملحمة الوثبات»، إلا أنني أعده كله ملحمة متكاملة وذلك لتشابه موضوعات القصائد فيه، والتي تتمحور حول توحيد المملكة وسيرة ملكها.

ومن بين أبياتها (من قصيدة شذى الصحراء).

هو الإمام الحر مغوار الحمى

عبد العزيز العبقري المرتضى

وفي ملحمة «الوثبات»:

أعيدا منى نفسي لتلك المضارب

بصبح وإني في الهوى غير كاذب

4 ـ الملحمة الشعبية (بالنبطي) للشاعر عبد الله العلي الزامل (المتوفى عام 1987)، وقد صدرت (بخط يده) عام 1979، مكونة من مائة وخمس وسبعين صفحة، ويقول في مقدمتها:

عزيزي القاري تفضـل ومشكور

ألّفت ذا التاريخ شعر ومنثور

وبحصر المعاني كنت أنا اليوم مجبور

لكل موضوع طرقـته بالأخبار

ثم يواصل الملحمة بدءاً بميلاد الملك عبد العزيز بالتاريخ الهجري:

إلى رجعنا ننظر اليوم عشرين

سنين مضت مسجلة بالدواوين

ألف ومئتين عام وسبعة وسبعين

لقيت مولود له العز والكار

5 ـ ملحمة أمجاد الرياض، للشاعر الدكتور محمد عيد الخطراوي، أحد أدباء المدينة المعاصرين، طبعت عام 1975، وقد كتبها بمناسبة انعقاد المؤتمر الأول للأدباء السعوديين، يقول مطلعها:

جلجل الحق في ربوع الرياض

لاهب الوقد عارم الانقضاض

وانتشى العز شـامخاً يتغنى

بالبطولات والندى الفياض

وبعد،

هناك محاولات ملحميّة أخرى، تظهر بين حين وآخر، ربما كان آخرها قصيدة (جاءت في 150 صفحة) نظمها طبيب مصري مقيم في المملكة (حسام الدين القاضي)، وقصيدة أخرى بالعامية كتبها الضابط عبد الرحمن بن سعد الجبرين، وهي مطبوعة، كما أخبرني بذلك كل من المؤرخ فايز الحربي والراوية محمد الشرهان، لكنني استشهدت بأبرز ما عرفت، لاستثمار مناسبة اليوم الوطني الذي يصادف الثالث والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) من كل عام، علماً بأن دارة الملك عبد العزيز (التي تعنى بتوثيق تاريخ الجزيرة بعامة والمملكة العربية السعودية بخاصة) تعمل حالياً على حصر ما قيل من شعر (بشقيه الفصيح والعامي) في موسوعة تتناول حياة المؤسس الراحل والوطن الموحد، وكانت الدارة قد رصدت في كتاب من جزءين (ألف صفحة) ما نشر في الجريدة الرسمية (أم القرى) من أشعار مطولة في هذا الموضوع، قالها نحو مائة وخمسين شاعراً حتى عام 1953.

* إعلامي وباحث سعودي