مرّ تأسيس المملكة العربية السعودية أو ما يُطلِق عليها المؤرخون المعاصرون تعبير «الدولة السعودية الثالثة» بمرحلتين؛ بدأت الأولى باستعادة الرياض عام 1319هـ/ 1902م وفيها اتّخذ الإمام المؤسس عبدالعزيز ألقاباً متدرّجة بتدرّج التقدم في توحيد البلاد (منها الأمير والوالي والسلطان والملك) وغلب النشاط العسكري الميداني على تلك المرحلة التي امتدت نحو اثنين وثلاثين عاماً من عهده، ثم بدأت المرحلة الثانية بإعلان اكتمال توحيد البلاد تحت اسمها الحالي (المملكة العربية السعودية) في اثنين وعشرين عاماً، ساد فيها الأمن والاستقرار والبناء والتنظيم، من عام 1351هـ/ 1932م وحتى وفاته عام 1373هـ/ 1953م.
عن فترة التأسيس هذه، كُتبت مئات المؤلّفات، أصدرها مؤرخون سعوديون، أو عرب اكتسب بعضهم الجنسية السعودية، ومن الكتب ما ألّفه أجانب، أو جاء في شكل مطوّلات شعرية (ملاحم) من أدباء رصدوا تسلسل الحوادث نظماً، ومن هؤلاء المؤرخين والمؤلّفين والأدباء من عاصر تلك المرحلة وكانوا شهوداً على أحداثها، أو لم يدركوها واعتمدوا في التأليف على نقولات من آخرين، وقد أظهرت الفهارس (البيبليوغرافيا) التي صدرت عن المملكة أو استعرضت تاريخها، أن باحثين من مختلف الدول الشرقية والغربية قد اهتموا بتاريخها القديم والحديث وألّفوا عنها، أو نشروا المقالات الصحفية والبحوث في الدوريات العلمية المحكّمة، ومنها ما يتعلق بالحج أو باتفاقيات الحدود أو بالنفط أو بحركة الإخوان، وغيرها.
اللافت للنظر عند استعراض أبرز الكتب التي تناولت بالتحليل تاريخ بناء هذا الكيان الكبير بجغرافيته، المذهل بظروفه وأوضاعه، أن نسبة معتبرة منها قدمته أقلام غير محلية متحررة من ثقافة المجاملة، خبيرة في تدوين الأحداث وتحليلها وتفسير أسبابها.
سيكون الحديث هنا، ومن منظور شخصي، عن قائمة متنوّعة من هؤلاء المؤرّخين، الذين صدرت لهم مؤلّفات قيّمة تُـمثّل مراجع مهمة للباحثين، مع الإشارة إلى أبرز مؤلّفاتهم التي وثّـقت بموضوعية تجاوزت المجاملة، وبنسبة معقولة من التحليل التاريخي غير السردي للأحداث، يدخل في ذلك بعضُ ما كتب عن سيرة المؤسس، أو عن مراحل التأسيس وما أحاط بها من ظروف سياسية أو عسكرية أو اقتصادية، ولقد اجتهد المحاضر في اختيارها بحكم اطلاعه أو معرفته ببعضها، أو لتواتر ورودها في المراجع، وهذا الاجتهاد الشخصي في اختيار الكتب لا يبلغ حدّ الجرأة على ترتيب أهميّـتها وشموليّـتها، كما لا يعني بالضرورة عدم تزكية غيرها، أو قبول? كل ما تحتويه من آراء، إذ إنها قراءات قام بها مؤلّـفوها، وبخاصة ممن لم يعاصر الأحداث، وفق رؤيتهم وقناعاتهم، وقد استبعد الاختيار الأطروحات العلمية والدراسات، على اعتبار أنها لم تصدر عن مؤرخين محترفين، فضلاً عن كثرتها، وستحاول المحاضرة إلقاء الضوء على مسيرة كل واحد من المؤرّخين، للتعرّف على صلته بالأحداث التي عاصرها، وعلى قربه أو علاقته بالملك المؤسس إن وجدت، مع ترتيب الأسماء بحسب أقدميّة تاريخ ولادة المؤلّفين، إن وجد:
(وضعت علامة الاستفهام (؟) عند المعلومات الناقصة.
أولاً : المؤرّخون السعوديون
تغلب الطريقةُ التقليدية وسردُ السنين والوقائع والحوادث على مدرسة كتابة التاريخ عند كثير من المؤرّخين السعوديين الأوائل، وبخاصة عند النجديين، بالأسلوب الذي كان يتّبعه كل من ابن بشر وابن لعبون وابن غنام والمنقور والفاخري وابن عيسى وإبراهيم بن ضويّان ومحمد العبيّد ومحمد العبد العزيز المانع وإبراهيم العبيد آل عبد المحسن وغيرهم، ثم تطور أسلوب الكتابة بدخول جيل جديد معاصر، استخدم التحليل في روايته للحوادث وربط النتائج بها، وفيما يلي نماذجُ من أسماء هؤلاء المؤرخين السعوديين ومؤلّفاتهم، وتشمل القائمة الإخوة العرب الذين اكتسبوا الهُوية السعودية:
1 – إبراهيم بن صالح بن عيسى، المولود عام 1270 / 1834م في أُشيقر، والمتوفى في عنيزة عام 1343هـ / 1925م في كتابه (عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر، المطبوع عام 1419هـ / 1999م) وهو ذيل لكتاب ابن بشر في تاريخ نجد، وينتهي عند العام 1303هـ / 1886م ألّفه بتكليف من الملك عبد العزيز، ثم تكرّر طبعه، وله تكملة مخطوطة تنتهي عند العام 1327هـ / 1910م.
الكتاب الثاني (تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد، المطبوع عام 1386هـ / 1966م) ويؤرخ لبعض الحوادث التاريخية من عام 820 هـ / 1417م حتى عام 1340هـ / 1922م وقد حققه العلامة حمد الجاسر وطبعته الدارة بمناسبة المئويّة، وله كتاب مخطوط هو (تاريخ ابن عيسى) موجود في خزانة التواريخ النجدية لابن بسام التي آلت حقوق نشرها إلى الدارة.
2 – عبد الله بن محمد البسّام، المولود عام 1275 هـ / 1860م في عنيزة، والمتوفى عام 1346هـ / 1927م في العراق، في مخطوطته (تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق، المنشورة في الكويت 2000 م ثم أصدرتها الدارة عام 2013 م) يغطّي الكتاب – بحياديّة وموضوعيّة – حوادث السنين (من عام 850 هـ إلى 1344هـ) في بعض أنحاء الجزيرة العربية، وبين قبائلها، من تحقيق إبراهيم الخالدي، معتمداً على نسخة حررها المؤلف، بمساعدة جزئيّة من المؤرخ إبراهيم بن عيسى ومحمد السليمان البسام، ومستفيداً من وثائق ومراجع حجازية ونجدية وأحسائية وخليجية وعراقية، ومغطّياً فترات كانت مجهولةً عند بعض المؤرّخين.
3 – مقبل العبد العزيز الذكير، المولود عام 1260هـ / 1844م في عنيزة، والمتوفّى عام 1341هـ / 1923م في عنيزة، في مخطوطته (مطالع السعود في تاريخ نجد وآل سعود، المنشورة عام 1419م / 1999م) وكان الشيخ عبد الله البسام قد وضع هذا المخطوط ضمن «خزانة التواريخ النجدية الجزء السابع 1419م / 1999م».
4 – محمد العلي العبيّد، المولود عام 1303هـ / 1885م في عُنيزة، والمتوفّى عام 1399هـ / 1980م في عنيزة أيضاً، في مخطوطته (النجم اللامع للنوادر جامع 1957م) كتبها مؤلفها بالطريقة التقليدية بالعامية وبقيت مخطوطةً، وطبعت على ما يبدو كاملةً في الكويت عام 2004م من تحقيق الشريف محمد بن علي الحسني، وقد اقتطف الباحث د. فايز موسى البدراني الحربي من الأصل جزءاً مما يخص سيرة الملك عبد العزيز وأخباره، في كتاب طبعه في الكويت بعنوان (من أخبار الملك عبدالعزيز 2000م).
5 – حافظ وهبة، المولود عام 1889م في مصر، والمتوفّى عام 1967م في روما، في كتابيه (جزيرة العرب في القرن العشرين 1935م، وخمسون عاماً في جزيرة العرب 1960م) وهو شخصيّة أزهريّة، عمل معلّماً في المدرسة المباركية بالكويت مطلع العقد الثاني من القرن العشرين الميلادي، وانهمك هناك في نشاط سياسي إبّان صراع الإنجليز والعثمانيين على منطقة الخليج، ثم وفد إلى الرياض وصار ضمن المستشارين في الديوان الملكي، وعند تأسيس أولى الممثليات السعودية في الخارج (1930م) وقع عليه الاختيار وزيراً مفوّضاً فسفيراً في بريطانيا مع هولندا، وكان قد شارك في النشاط السياسي والتنظيمي بعد توحيد المملكة، وفي كتابيه الكثير من المعلومات التي كان شاهداً عليها أو مشاركاً فيها، إلا أن عليهما بعض الملاحظات من حيث الدقّة والمبالغة.
6 – خير الدين الزركلي، المولود عام 1893م في بيروت، والمتوفّى عام 1976م في القاهرة، في كتابيه (شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز 1965م بأجزائه الأربعة في مجلّدين، والوجيز في سيرة الملك عبد العزيز 1966م) وهو شاعر مجيد ومؤرّخ ودبلوماسي سوري، وفد إلى الحجاز في أواخر عهد الأشراف وحاز الجنسية العربية الهاشمية، ثم التحق بخدمة الحكومة السعودية، كلّف بمهام سياسية من خلال عمله في وزارة الخارجية، وقد انصرف في عهد الملك فيصل، وهو على رأس عمله الدبلوماسي، للتأليف في السير والتراجم وكتابة التاريخ، فكان من أبرز آثاره مطوّلات شعرية وطنية، وموسوعة «الأعلام» في ثمانية أجزاء.
يُعدّ كتابه الأول أحد المراجع المعتمدة في تاريخ المملكة وفي سيرة الملك عبد العزيز، وإن كان ينقصه التنظيم في فهارسه، وقد تطرّق للمراحل والأحداث التي مرّت بها المملكة في تكوينها، معتمداً في تأليفه على معايشة الأحداث، ومستفيداً من مخالطة بعض المستشارين المحيطين بالملك، وفي الكتاب صراحة واقعية معقولة، وأسماء عدد من المؤلّفات التاريخية العربية والأجنبية المهمة في تاريخ المملكة، وكان قد ألّفه ليصدر بمناسبة مرور خمسين عاماً على دخول الملك المؤسس للرياض، لكنه لم يصدر، وقام بنشره فيما بعد بطلب من الملك فيصل.
** ** **
……………………………………….يتبع
* كلية نايف للأمن الوطني بالرياض، الأربعاء 22 / 5 /1437هـ/ 2 / 3 / 2016