كنا نلتقيه وهو في ذروة معاناته، يتلقى أقوى عقاقير التخدير التي تعينه على تحمل الأوجاع، وما كانت البسمة تفارقه، وبديهة التعليق والدعابة لم تكن تسرقها الأسقام، يبدو متفائلاً صابراً محتسباً مؤمناً، متجــاهلاً ما تعنيــه المرحلة في مواجهة النهاية الحتمية لتلك الأمراض.
تلك كانت طبيعته في أثناء أزمته الصحية ومن قبل، حَرِكا فكِهاً، لَبقاً مجاملاً، أنيساً مضيافاً، ودوداً، يحب الناس ويأنس بالضيف، طيب القلب صادق النوايا، وفيّ الصَِلات، وهو يحسن إدارة الحديث وتنسيق الحوار، واختيار الموضوع واستنطاق التعليقات.
وهو طُلَعَة راوية حافظة، حجّة في اللغة، مرافق للقاموس، يحفظ النصوص ويستظهر الأنظمة واللوائح، وهي كفايات مطلوبة في مثل عمله القديم والأخير، أميناً عاماً لجامعة الإمام ثم لمجلس الشورى.
وهو كاتب يعنى باللفظ وباختيار العبارة، يحسن علامات الترقيم والصياغة، يجيد الخطّ والأسلوب، دقيق الشواهد والاقتباسات، لبق النقد، متمكن الحجة، يبهر بحفظ غرائب المعلومات، ويعجبك بذاكرة تحفظ التفاصيل والأرقام، فضلاً عن إلمامه الجيد باللغة الانجليزية ومصطلحاتها.
وهو فقيه بالعروض. ووزن القافية، يقرض الشعر إخوانياً، يوظفه حاضراً في المناسبات، يفاجئ الحضور بقصائده المرحة المعبّرة عن خفّة ظلّه، ومَرَح مشاركاته ودعابة مجالسته، وقد صدر له مطلع هذا العام ديوان صغير يتضمن بعض إخوانياته، وهو ذو غيرة ووطنية، صادق الولاء، وذو ثقافة دينية، اكتسبها من محيطه ومن دراساته المبكرة، نشّأ نفسه وأسرته بعصامية لا وقت فيها للفراغ وإضاعة الوقت، ينكبّ على القراءة أو الكتابة، ويعكف على واجباته ويسهر على عمله، يشغل نفسه وراحته بالتفكير والتحضير.
كان مما يعتزّ به أنه صار من بين الأعضاء الستين الأوائل المؤسسين لمجلس الشورى الحديث في دورته الأولى، وأنه استمر مع اثني عشر منهم لدورات ثلاث (12 عاماً)، ثم وقع عليه الاختيار ليكون أميناً عاماً للمجلس خلفاً لزميلنا د. حمود البدر.
زرته في مشفاه الأخير (18/5/2008) صحبة زميلنا المشترك د. عبد الرحمن الجعفري، وتمنى علينا أن نسجل تجربة هؤلاء الرواد الاثني عشر من أعضاء المجلس، الذين وقع على أكتافهم وضع اللوائح الداخلية (الإجراءات) وقواعد العمل في بداياته فكان أن بدأنا به بحكم أنه صاحب الاقتراح.
كان ـ في حديثه ـ يعتز بالثقة التي كان يحظى بها من رئاسة المجلس عند تشكيل لجان خاصة توكل إليها مهمة دراسة موضوعات مصيرية أو ذات طبيعة حساسة، مثل تلك التي تناولت تداعيات أحداث سبتمبر، كما كان يفخر بما قدمه لتفعيل دور المجلس في علاقاته البرلمانية الخارجية، وبكتاب أصدره باللغتين واصفاً فيه أسلوب العمل في مجلس العموم البريطاني إثر زيارة قام بها إليه، وكان مما رواه في حديثه اعتزازه بالدراسة التي كلفته بها رعاية الشباب بشأن تخصيص الأندية الرياضية السعودية.
لقد كان صديق عمر، وقرين عمل، ورفيق شورى.
* إعلامي وباحث سعودي