إذا عُد الجيل الرائد من الدبلوماسيين السعوديين الذين عاصروا بدايات التأسيس، وأدركوا حياة الملك المؤسس وعملوا سنوات في ظلّ عهده، وفيهم عبد العزيز وعبد المحسن الزيد وراشد بن ليلى وعبد العزيز الصقير وفوزان السابق وعبد الله الخيّال وحمزة غوث وإبراهيم السويّل وإبراهيم المعمّر ومحمد الشبيلي وعبد الرحمن البسام ومحمد الزغيبي ومحمد العبيكان وناصر المنقور وأسعد الفقيه ومحمد المطلق وحافظ وهبة وعبد العزيز الكحيمي وعبد الرحمن الحليسي وعبد الرحمن العمران وعمر السقّاف، وغيرهم كثيرون، فإن أبا منصور الرميح يُحتسب واحداً منهم ومن الجديرين بلقب الريادة الدبلوماسيّة، وهو جيل لم يتكرّر في زمن ندرة الكفايات المتعلّمة، إذا ما عُلِم أنه جايل قيام قنصليّة البصرة مطلع الأربعينات، أيّام كانت الممثّليّات السعودية في الخارج مفوّضيّات ومعتمديّات عامة، لم تتشكَل بعدُ في شكل سفارات.
ثم مارس الرميح العمل الدبلوماسي سفيراً في دولة الكويت (1963) فخلف الشيخ جميل الحجيلان الذي كان أول سفير لديها بعد استقلالها، ومن بعدها كان الرميح سفيراً لدى لبنان، فالإمارات العربية المتحدة، وحقّق صداقات وثيقة في كل الدول التي عمل فيها قنصلاً وسفيراً، وكان العمل الدبلوماسي تخصّصه الرئيسي طيلة خدمته العامة التي دامت أكثر من أربعين عاماً في وزارة الخارجيّة، وتذكر الوثائق كثيراً من المواقف التي كان الملك فيصل يركن إليه فيها في علاقات السعودية مع تلك البلدان ومع زعامات سياسيّة أخرى.
ومع حبّه للعمل الدبلوماسي وتفاعله معه، انهمك أبو منصور الرميح، في المهمات المتصلة الحلقات من دونما فاصل، فكان أن عانى وأسرته من ضريبة الغربة والانفصام عن محيطهم، مع أن كلاً من العراق والكويت ولبنان والإمارات من أقرب المجتمعات إلى بيئته ومسقط رأسه.
ومع تقدّم السن به في السنوات الأخيرة، صعُبت عليه ممارسة الواجبات الاجتماعيّة التي كان الحريص عليها، وهو الوجه الاجتماعي المألوف بالحضور وبالقيام بالتزاماتها، واختار أن يقسم إقامته بين الرياض ومملكة الأردن القريبة منه، حيث كان يرتاح لمجتمعها ويسهل عليه منها التواصل مع وطنه الأصل، خاصة بعد أن بدأ في ممارسة بعض الأعمال التجاريّة الخاصة.
والشيء المضيء الآخر – بعد سيرته السياسيّة – في حياة الرميح، مما قد لا يكون معروفاً إِلا للقلة ممن حوله، أنه دأب على كتمان إسهاماته لعمل الخير والسعي فيه ومن أجله، وقد روى من يوثق بروايته أن الملك سلمان أيام كان أميراً لمنطقة الرياض، استقبل الرميح وكان على كرسي متحرّك وقدّم له شيكاً بمبلغ كبير، لمصارفته في أعمال البر، وقد أسهم بذلك التبرّع وغيره من دون ما وَجْد مادي.
رحم الله أبا منصور، والعزاء لابنه وبناته وزملائه ومحبّيه، وللدبلوماسيّة السعودية، التي تفقد بفقده واحداً من رموز الجيل الذهبي المنصرم.