اتسم الانفتاح الإعلامي الأخير، عن انتعاش آمال بعض المناطق التي لا تصدر فيها الصحف، بأن ننشئ مؤسسات صحفية وإصدارات خاصة بها، مع تفهمها للأسباب التي تجعل من الدلالات الإقليمية لأسماء الصحف الجديدة أمراً غير مرغوب فيه من قبل الدولة، وقد عرضت بعض المقالات الصحفية ومواقع الإنترنت مؤخراً لهذه الأفكار، وتداولت ما فيها من منافع أو تحديات.
إلا أن العديد من الرغبات المقدمة لم تبن في الواقع على دراسات متعمقة للجدوى الاقتصادية والفنية عن قيام المؤسسات الجديدة المقترحة، وأحسب أن بعض تلك الطلبات قد غلبت عليها العاطفة، وإن كنت أتفهم حاجة بقية المناطق إلى صحافة محلية تخدم احتياجاتها وتكمل عناصر التنمية الشاملة فيها.
كما أن من غير المنطق أن تتكدس الصحف في مناطق معينة، بينما تحرم منها مناطق أخرى بسبب قلة سكانها ومحدودية مواردها الاقتصادية.
ولو نظرنا إلى كثير من دول العالم – وبخاصة في أمريكا – لوجدنا أن هذين العاملين – كثافة القراء والمردود الإعلامي لا يشكلان عائقاً أمام قيام صحافة محلية في مدن ذات تعداد سكاني لا يتجاوز أحياناً الخمسين ألفاً، لكن صحفها غالباً ما ترتبط بمنظومات صحفية أوسع، تتبادل معها المنافع والإمكانات، وقد كان هذا العامل مجدياً فيما مضى فكيف في الوقت الحاضر، مع يسرة التقنية الاتصالية وانخفاض كلفتها.
ومع ذلك، فإن بعض المناطق ما تزال بحاجة إلى دراسة أدق لتقدير جدوى إقامة صحافة ناجحة فيها، آخذة – أي الجدوى – في الحسبان توافر الكوادر الفنية المؤهلة، والمردود الإعلامي المجزي، والمادة الصحفية الكافية، وأن تستفيد من التحديات والعثرات التي واجهتها – وما تزال – مؤسسات صحفية قائمة، وأن تعي كثيراً أن المؤسسات الحالية – دون استثناء – تعتمد حتى الآن على كوادر وافدة في تقنيتها الداخلية، بل إن بعضها – أي المؤسسات – تفتقر، إلى اليوم، إلى قيادات صحفية وطنية متفرغة ومؤهلة.
لا بد من التأكيد على أن قيام الصحف التقليدية التي تتطلع إليها مناطقنا (المحرومة من الصحف) هو أمر لا يخلو من المجازفة المالية، تقل أو تكثر حسب أوضاع كل منطقة، وظروفها السكانية والاقتصادية والثقافية.
إن من الصعب تجاهل احتياج تلك المناطق التسع التي تخلو من إصدارات صحفية، كما أن من غير السهل الاستجابة لطلبات لا تتوافر التأكيدات على جدواها، والخشية أن تأتي الموافقات – لو تمت – على حساب المؤسسات الصحفية الناجحة القائمة.
من هنا، تكون المسألة بحاجة إلى خطة واقعية متدرجة للتعامل مع الموقف المحرج الذي يواجه صانع القرار:
الخطوة الأولى: البدء – بصفة مرحلية – بالإذن بإصدار مجلات أسبوعية، تحقق الحد الأدنى الضروري من الخدمة الإعلامية المطلوبة في المناطق، دون حاجة إلى إقامة مؤسسات صحفية، إذ إن نظام المطبوعات والنشر لن يعدم من نافذة قانونية تتيح ذلك، خاصة وأن بعض تلك المناطق تضم اليوم دوريات معروفة صالحة لهذا الغرض.
إن الهدف من هذه الخطوة، هو اختصار فترة الانتظار، وأنه يكون الإصدار ميداناً للتجربة والتدريب والتهيئة لما هو أفضل، ولإيجاد البيئة التحريرية والإعلامية المناسبة، علماً بأن صيغة الصحيفة الأسبوعية أو الشهرية لا تعطي الخبرة الصحفية المثالية.
الخطوة البديلة الثانية: أن يطلب من المؤسسات الصحفية القائمة إصدار صحف تابعة لها في المناطق الأخرى، سواء تم ذلك عن طريق الطباعة المتزامنة أو عن طريق النقل، علماً بأن نظام المؤسسات الصحفية يكفل ذلك، وستحقق هذه الخطوة الأهداف نفسها التي ذكرت في سابقتها.
الخطوة البديلة الثالثة: ولعلها الأفضل من حيث الجدوى، أن يتم الترخيص لمؤسسة صحفية جديدة واحدة، تصدر صحيفة بطبعات مختلفة في كل منطقة تتهيأ فيها الظروف لذلك.
ميزة هذه الفكرة، هي التكتل المالي والإعلامي الأقوى، وتعميم المشاركة في المادة الإعلامية الأساسية (بتوحيد المقالات والتحليلات والخدمة الإخبارية الوطنية) ويكون الاختلاف بين كل منطقة ومنطقة (وطبعة وطبعة) في الإعلان المحلي وأخبار المناطق.
فهل يلتقي المتقدمون برغباتهم حتى الآن – برعاية من متخذ القرار – لاستكشاف المزايا البشرية والمهنية والاقتصادية لكل خطوة تسهل اتخاذ الأنسب لخدمة المناطق وتحقيق تطلعاتها