لعل من النادر أن تجد – في عالم الإنشاءات والمقاولات – من يوجّه بمعصمه قاطرة المعدّات منهمكا بالبناء والإعمار، بينما يحمل في الوقت نفسه القلم في معصمه الثاني منشغلا بهموم أمّته في تحرّي التطوير والإصلاح، فيجمع في ناظريه بين الفكر وشق الصخور، ومن يقرأ في كتابه «رحلة قلم» الصادر قبل أربعة أعوام، وفيه جملة المقالات التي كتبها إبان علاقته بالصحافة، يلحظ مقدار ما كان يحمله الكاتب من هواجس وشواغل موضوعية جريئة في سبيل الإصلاح، لا تزلّف فيها ولا تكسّب ولا استجداء.
ومن يعرف عبد الله القصبي – القادمة أسرتُه (القاسم) من القصب وهي إحدى بلدات الوشم في نجد، وطالب مدرسة النجاة الشهيرة في الزبير، وخرّيج قسم الصحافة بآداب جامعة القاهرة سنة 1947، ومن يتتبّع مسيرته العملية مُعايشا تأسيس وزارة المواصلات السعودية مع وزيرها الأول طلال بن عبد العزيز عام 1953، ويعرف تركيبته العصامية ومطارحاته الصريحة والمنصفة في الاجتماعات والمناقشات – يجد أنه شخصية وطنية مستقلّة لا تتغيّر ولا تتلوّن ولا تتكسّب، شخصية تصدع بالرأي بما تعتقده الحق دون مواربة أو مجاملة، ودون أن ينقص ذلك من محبة الطرف الآخر واحترامه له.
مارس الصحافة كاتبا ومسؤولا من خلال واحدة من أقدم الصحف السعودية «المدينة»، وكانت له آراء واضحة في سبل تطوير الإعلام الوطني، ولم يترك جانبا من جوانب الإصلاح المستنير المتعقّل المتدرّج إلا وطرقه بشكل مباشر، لا يلفّ فيه ولا يدور ولا يحوم.
اقترب في أثناء عمله المبكّر في وزارة المواصلات من مشروع سكة الحديد الرائد بين الرياض والدمام، ومارس بعد تفرغه أعمالا حرة عدة، ودخل في مجال الصناعة والتعدين، لكن اسمه اقترن إلى حد كبير بمشروعات شقّ الطرق الصحراوية، ويبدو أن مباشرته لهذا المجال دعته لأن يختار اسم «كرا» عنوانا لمؤسسته، وهو اسم لثنيّة «جبل» بين مكة المكرمة والطائف شهد أعتى محاولات شقّه عبر جبال الحجاز منذ خمسينات القرن الماضي، وأحسب أن في اختيار هذا الاسم شيئا من المقاربة بين شخصيته الراسخة وشموخ هذا الجبل الأشمّ، وكانت للقصبي إسهامات في تنفيذ العديد من المشروعات في الأماكن المقدسة.
أبو ماجد القصبي (95 عاما) غرس غراسا باقيةً من دروس الوطنية وخصال النزاهة والذكر الحسن، وبثّ هذه الروح في محيطه وبين ذويه، وترك مدرسة صحافية تستحق أن تُدرّس أصولُها وقواعدُها، مدرسةً قوامها الصدق في مبتدئها وخبرها وضميرها الظاهر والمستتر.