من حق عبد الرحمن العبدان على أرباب التربية والتعليم، أن يوفّوه التبجيل والاحترام، لا التزاماً فحسب بقول شوقي صاحب القصيدة الرائعة التي لم يظهر في الشعر العربي ما يماثلها تعبيراً في شرف وظيفة المعلم ورسالته، ولكن الحق المضاف له يأتي من كونه ظل المؤتمن على «أمانة» المجلس الأعلى للإعلام في السعوديّة قرابة ربع قرن من أعماله (1980 – 2003) في عهد الملك فهد، ورئاسة أخيه الأمير نايف.
لم يكن العبدان ذَا خلفيّة قانونيّة أو إعلامية، بل جاء من عمق ميدان التربية والتعليم، وهو ما أضاف إلى كفايته بُعداً مهمّاً في اختياره لشغل وظيفته، وأضفى على ما أفرزه المجلس من أعمال صبغة خاصة قاربت بين وظيفة الإعلام والتربية والثقافة والتعليم.
والعبدان، لم يكن بحكم مسؤوليّة وظيفته تنفيذيّاً، بل كان «أمينا» ورقيباً على سلامة تطبيق السياسة الإعلامية التي صاغها المجلس إبّان تولّيه، فكان أكثر من حفظها عن ظهر قلب، وكان يستشهد بنصوصها ويذكّر بها ويحرص على الأخذ بها، ويتميّز من الغيظ إذا ألقيت خلف الظهر عند من هي موجّهة إليه، فبقيت طيلة بقائه على رأس العمل وثيقة ذات قيمة، حافظ على حُرمتها ومكانتها، وجعل الآخرين يلتفتون إليها بكل ما تستحقّ من اهتمام.
العبدان، كان مرجعه الوظيفي نايف بن عبد العزيز، بحكم مكانته في الدولة رجلاً من رجالاتها وحكيماً من حكمائها، فحافظ العبدان على معنى الارتباط به والعلاقة معه، ولم يهزّ يوماً عصا وزارة الداخليّة والجهات الأمنيّة في علاقتها بالمجلس وعلاقة المجلس برئيسه ورئيسها، بل عمل على أن يكون مقر أمانة المجلس في مكان يخلو من مظاهرها وحراساتها ويبتعد جغرافيّاً عن مراكزها.
العبدان، في وضع صحّي حرج، يرقد بين يدي رحمة ربه، ليستقبل أجل الله، وقد لا يعود يقرأ هذه الحروف أو لا نعود نحن، وقد لا تدركه قبل رحيله، أو نسبقه، لكنها شهادة متأخرة كتبت في حقّ رجل خلوق مغمور حقاً ونبلاً وأدباً، وأمثاله كثيرون في كل قطاع خاص وعام، وربمّا هم في مجال التربية والتعليم والثقافة الأكثر غُبناً وعدداً في المجتمع السعودي والعربيّة الأخرى.
وعوداً على بدء، وكما أن من حق العبدان المربّي الفاضل على المجتمع، الاحتفاء به، فإن من حقّه أكثر على رجال الصحافة وأرباب الكلمة أن يحتفوا بمواقفه، وهو الذي كان كثيراً ما يقف بثبات، لينصف صاحب حق، حتى ولو كان حقّه عند وزارة الإعلام نفسها أو لدى جهة أمنيّة أو شرعيّة، وهنا يصدر الحكم المنصف من إعداده، والتوقيع بقلم نايف بن عبد العزيز ذاته.
كم يتمنّى هواة التوثيق، لو عاد الأمين إلى وعيه، ليكتب تاريخ حقبة في الإعلام، يتمنّى التاريخ أن يبقى حيّاً كي يراها تعود بمستواها أو بأفضل.
*إعلامي سعودي