هو وجه اجتماعي وأكاديمي وشوري ومؤرّخ وكاتب، وفي جميع تلك الزوايا يملأ الحديث عنه صفحات، لكن السنوات القليلة الماضية تغلّب سجله في ميدان التاريخ على المجالات الأخرى.
وقبل أن تتناول هذه الأسطر لمحات من سيرة الراحل، تحسن الإشارة إلى أن اسمه منغرس في التاريخ السعودي المعاصر قبل أن يتخذ التاريخ تخصصا، وميدانا لجولاته الفكرية والبحثية والعلمية، فجده الذي سُمّي عليه، كان في مطلع القرن الميلادي الماضي أميرا لبلدة المجمعة قاعدة ناحية سدير، ومن أبرز قادة الأقاليم النجدية الموالية في الدولة السعودية الثانية، إبان مخاضات ظهور الدولة السعودية الثالثة المعاصرة، فلما رجحت كفة النصر لصالح الملك عبد العزيز على ابن رشيد، استبقاه في إمارة الإقليم، وصار من أبرز ولاته، حيث تذكر المراجع أنه اختاره لإمارة قبائل عسير (وقاعدتها مدينة أبها العريقة المعروفة).
وكان مما ذكرته المراجع أن الضابط الإنجليزي (الكابتن شكسبير) الذي قُتِل برصاصة طائشة في إحدى المعارك (جراب 1915) كان عند مجيئه للبلاد النجدية مرّ بالمجمعة واستقبله أميرها (عبد الله العسكر) بحفاوة خاصة دوّنها شكسبير في مذكراته.
وهكذا بإيجاز، إذا ذُكر المؤرخ الراحل (د. عبد الله العسكر) الذي فقده المجتمع الثقافي والعلمي السعودي قبل يومين، في إثر حادث مروري في القاهرة، فلا بد أن تستعيد الذاكرة التاريخية مجد جده كما سلف، وقد جاء الحفيد ليتألق في سنوات قليلة مضت واحدا من المبرّزين في الدراسات التاريخية، بحثا وتحقيقا وترجمة وتأليفا، جنبا إلى جنب مع من سبقه في الأشهر الثلاثة الماضية إلى الدار الآخرة؛ د. عبد الله العثيمين ود. عبد الله الشبل ود. عايض بن خزام الروقي من ثلاث جامعات سعودية، وكان من سجاياه التي تذكر له تقديره لزملائه الباحثين تقديرا يتمثل في التعاون معهم وعدم الشحّ بالمعلومات، كما أنه يحرص على إتقان ما يصدر عنه من محاضرات علمية أو مؤلفات.
ولا بد أن دارة الملك عبد العزيز، التي تضم المركز التاريخي للسعودية، وكذلك القسم العلمي الذي ينتمي إليه (قسم التاريخ في جامعة الملك سعود) وهو أحد أركانه، ومن أبرز من أسهم في ازدهاره، سيكونان من أشد الحزِنين على فقده.
وكان من آخر ما اطلعت عليه من جهد علمي لشخصية هذا المقال، كتاب صدر مؤخرا بعنوان «كتابة التاريخ في المملكة العربية السعودية – العولمة والدولة في الشرق الأوسط» لمؤلّفه Jorg m. Determann يورك ماتياس ديترمان (2014)، وترجمه د. عبد الله العسكر، والكتاب في الأصل هو أطروحة المؤلف لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة لندن (2013 م)، وقد فازت بجائزة الجمعية البريطانية للدراسات الشرق – أوسطية، لأحسن دراسة في تاريخ الشرق الأوسط، وفيه أثنى المؤلف على «مهنية» دراسة التاريخ السعودي وتطوره وتشجيع المؤسسات الرسمية له، مع رصد شامل لأبرز مراجع التاريخ، المحلية والعربية والأجنبية.
وهذا الكتاب واحد من الكتب التي انتقاها في موضوع تخصصه وقام على ترجمتها، هذا بالإضافة إلى الكثير من الكتب التي ألّفها أو حقّقها، ومن بينها كتاب ترجمه عن تراجم النساء يظهر اهتمام المجتمعات العربية بجهود الرجال وإغفال أدوار النساء بعامة، وكان يواصل جهوده البحثية العلمية الرصينة دون أن تعترض مناشطه الأخرى المتصلة، المتمثّلة في كتابة المقالات التوثيقية التي كان ينشرها بانتظام في جريدة «الرياض» وفي مجلة «الشورى».
* إعلامي وكاتب سعودي