السمة الغالبة لقدامى الأدباء، أنهم موسوعيّو التخصصات، يجمع الواحد منهم بين الأدب واللغة والتاريخ والجغرافيا والشعر وتحقيق التراث والكتابة في الأنساب، وربما أضاف إلى هذه الفروع مجموعة أخرى من المعارف، كجمع الأمثال، والغوص في الشعر النبطي، والصحافة، أو الاهتمام بالتراث بشكل عام.
يصدق هذا القول، على عدد ممن عرفتهم الجزيرة العربية في القرن الماضي، من أمثال المعاصرين عبد القدوس الأنصاري (المتوفى عام 1983م) وحمد الجاسر (المتوفى عام 2000م) وعبد الله بن خميس (موضوع هذا المقال)، وغيرهم عديدون.
لكن ما يسجل لهؤلاء، بالإضافة إلى الموسوعيّة المعرفيّة، أنهم رموز تنوير في الأقاليم الممعنة في المحافظة التي ظهروا فيها، فقادوا عبر جرأة منضبطة في طرحهم الصحافي وكتاباتهم الاجتماعية حملات واعية مستنيرة لتبديد سحب الانغلاق التي كانت تحيط ببيئتهم، دعوا إلى تنويع مناهج التعليم، ونادوا بحقوق المرأة في ممارسة وظيفتها الإنسانية في التعليم والعمل والتعبير وخدمة المجتمع، وعارضوا ممارسات الرق والفساد والتمييز في محيطهم في مختلف الفترات.
اليوم، تودع المملكة العربية السعودية، أحد هؤلاء الرواد الذين عرفهم المجتمع وعاش مع مؤلفاتهم وكتاباتهم ومواقفهم عبر العقود التسعة التي عاشها، وهو حقق عبر برامجه التراثية، ومشاركاته في مجامع اللغة العربية قدرا من الشهرة في الأوساط العلمية والثقافية العربية، بل والشعبية أيضا.
«ابن خميس» كما يعرف اختصارا في المجتمع السعودي، ولد عام 1920م في الدرعية، عاصمة الدولة السعودية الأولى، حيث استمد كثيرا من مخزونه التراثي، التاريخي والجغرافي والشعري والقصصي، من وادي حنيفة، وقرى اليمامة، وجبال طويق، والتي كلها تحتضن هذه المدينة التاريخية العريقة، التي سُجِّلت مؤخرا على قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو.
– على الصعيد التأليفي، أصدر أكثر من خمسة وعشرين عنوانا (يضم بعضها أجزاء عدة) في تاريخ الجزيرة العربية وجغرافيتها، وديانها وجبالها وسهولها الرملية، وركّز تحقيقاته في إقليم اليمامة الواقع في وسط نجد مما يحيط بمنطقة الرياض، ما بين الحجاز والأحساء، وقد أهدى مكتبته بما فيها من مخطوطات قيّمة لمكتبة الملك فهد الوطنية.
ودوّن في الأدب الشعبي في جزيرة العرب وشوارده، كما أعاد نماذج من الشعر النبطي إلى أصوله الفصيحة، وخلّف أربعة أجزاء مطبوعة لبرنامجه الإذاعي «من القائل؟» الذي سار فيه على خطى حسن الكرمي في برنامجه اللندني «قول على قول» وزاد عليه في شموله للشعر – بنوعيه – والنثر والأمثال.
– وفي المجال الإعلامي، أصدر في عام 1960م ثاني جريدة في تاريخ منطقة الرياض (صحيفة «الجزيرة») والتي ما تزال تصدر، وقد تجاوزت هذا العام الخمسين من العمر، وكان من قبل قد رعى تجربة صحافية رائدة في الأحساء، بإصدار صحيفة «هجر»، كما أسس مطبعة الفرزدق، وشارك منذ شبابه في الكتابة الصحافية في العديد من المطبوعات، وكان عضوا في المجلس الأعلى للإعلام.
– على الصعيد القومي، نافح عن قضيّة فلسطين، وأسهم بنشاط في إقامة مكتب منظمة التحرير (فتح) في السعودية مشاركا في دعمها ومساندة أنشطتها الإعلامية والجماهيرية.
– وفي المجال اللغوي، اختير عضوا في مجمع القاهرة ودمشق، وكانت له جهوده في الذود عن الفصحى، وكان ممن يرى أن الاهتمام بتتبع جذور اللهجات مما يخدم اللغة الأم.
– وفي الشأن الاجتماعي، كان ابن خميس أحد الوجوه المشاركة في الفعاليات والمناسبات الوطنية، السياسية والاجتماعية والثقافية والتراثية، وهو بالإضافة إلى ما ذُكر، يُعدّ أحد المراجع المعتمدة في تاريخ المملكة المعاصر، وجغرافيتها، يحظى باحترام المسؤولين، والوثوق بمرجعيته العلمية التاريخية.
– وقد مرّ ابن خميس في سني شبابه بوظائف مختلفة في مجال التعليم والعدل وخدمات المواصلات والمرافق، ونال تكريم الدولة في جائزة الأدب وفي مهرجان الثقافة والتراث في الجنادرية.
وبعد: لقد كان عبد الله بن محمد بن خميس (92 عاما) واحدا من أعلام شبه الجزيرة العربية في القرن الماضي، ورموزها الثقافية الشامخة، التي أسهمت – بفاعلية – في دفع عجلة التنمية الثقافية، وحفظت كثيرا من مخزونها الأدبي المضيء، وأحد فحول شعرائها المعاصرين.