عمر الخطيب.. عَلَم أكفاء الإعلام


في غفلة من الوفاء، وغمضة من غمضات الذاكرة، أطبقت بالأمس عيناه، طاويتين إرثا من الكرامة وعزة النفس، وسجلا ناصعا من تاريخ علمي ومهني مجيد.

رحل الدكتور عمر الخطيب (أبو عزام)، المقدسي، الفلسطيني النشأة، الأردني الوثيقة، العربي الانتماء، العالمي الثقافة والكفاية.

عرفته منذ أربعة عقود، عبر ثلاث مراحل من عمرينا المهني والعلمي، ثم استمرت من خلال تواصل حميم ومشاعر أخوية متبادلة لم تنقطع رغم افتراق المكان.

كان في منتصف الستينات، بدأ رحلة عمل في وسائل الإعلام السعودية، بصوت ذهبي أخَّاذ، وحضور فكري متوقد، ولغة عربية نقية، وثقافة غربية رصينة واستيعاب لقواميس الإعلام ومعلقاته، وفهم كامل لنظرياته وتطبيقاته.

ولأنه توفي، مرتفعا فوق الإطراء والمجاملات. فلا مجال لحقه سوى الشهادة الصافية بأن الرجل كان ـ بحق ـ أكفأ من عرفت من أبناء جيلي وأبرز وجه إعلامي عربي معاصر.

رحل هذا الإعلامي العصامي، مخلفا وراءه إرثا فريدا من المهنية الراقية، والمخزون المعرفي العريق، والخصال الخلقية الرفيعة، موجزا في هذا المقام ثلاثة جوانب خافية مما عرفته عنه عن قرب، وجعلته في ظني أهلا لهذا العنوان، وهذا التفوق والندرة، فأبو عزام ينفرد بكونه الإعلامي المتميز في الجمع بين الأستاذية العلمية والثقافية في تحصيله، والمهنية العالية في أدائه.

فلقد شعر، بعد أن احتل مكانة مرموقة في عمله الإعلامي في وطنه (الأردن) وبعد أن أمضى في الستينات فترة من العمل في السعودية، أنه بحاجة الى تأصيل مهنيته وثقافته العامة بالتزود بعلوم الإعلام على أصوله وفق المدرسة الغربية التي بلورت نظرياته، وأسست مدارس لطرقه وتطبيقاته، فترك بريق الإعلام وأضواءه، ورحل إلى الولايات المتحدة وهو في قمة نجاحاته، وهناك التقينا في تعارفنا الثاني على مستوى الحياة الأكاديمية في مطلع السبعينات، فالتحق بجامعتي، واحتل مقعدي، وارتبط بمشرفي وأساتذتي (جامعة ولاية أوهايو) وقد عدت وعاد لنلتقي ثالثة على صعيد العمل الإعلامي التعليمي في جامعة الملك سعود، وفي مجالات أخرى لا يتسع المقام لسردها والتفصيل فيها.

لن أستعيد سيرة عمر الخطيب المهنية والفكرية، وما ألفّ وما خلّف، لكنني في كلمة حق أقول إنه كان من ألمع من عرفه الإعلام السعودي من رجالات مرّت في دوائره، واستحق أن ينال شهادة الخدمة وشهادة العطاء الأميز، وشهادة التفاني والإخلاص، وشهادة كبرى في الأخلاق.

ومارس أبو عزام الإعلام في حقبة الستينات معاصراً دوّامة التراشقات الإعلامية المقيتة التي شغلت الإعلام العربي في حينه، ومع ذلك لم يجرفه التيار ولم ينسق، إن في الأردن أو في السعودية، أو في غيرهما، مع ما انساق إليه من عرفنا من خوافت النجوم الإعلامية في تلك الحقبة.

وقد رحل عمر الخطيب لا يملك من حطام الدنيا إلا اليسير، ولو لم يكن ذا عزة نفس عالية، وصاحب قيم ومُثُل لربما كان اليوم مقياساً إلى كفاءته وإلى غيره، من أثرياء الإعلام على قلّتهم.

رحل أبو عزام، وما عرفنا عن وفاته إلا من خبر باهت نقلته بعض الصحف وحمله شريط الأنباء المتلفز، وكان الأولى أن يزفه الإعلام في مأتم حزين، فقد به ألمع نجومه وعمالقته الكبار، وهو لوم نتحمل جميعاً مسؤولياته.

فالعزاء للإعلام العربي، ولحرمه أم عزام ولعزام وأخواته.

* إعلامي سعودي