مع حلول ذكرى كل مناسبة وطنية في مختلف البلدان، يحلو للأقلام أن تستذكر الأمجاد والبطولات والأيام الخالدة في طور التأسيس أو التوحيد أو تحقيق الاستقلال. إن ما تحقق في مطلع القرن الماضي في سبيل قيام المملكة العربية السعودية، على معظم أنحاء شبه الجزيرة العربية هو ـ بكل المقاييس ـ مزيج من كل ذلك، مما جعل أهلها كثيري الاعتزاز بكل من أسهم في جعل وحدة وطنهم حقيقة، وأمنه واقعاً، وتاريخه أسطورة، ذلك أن ما تحقق على صعيد تحرير أرجائه «من الإنجليز والعثمانيين» وتوحيد بواديه وأقاليمه، وتأسيس كيانه، لا بد أن يصنّف في باب المعجزات بالنسبة للظروف والإمكانات والصعوبات المحيطة بولادته.
وقبل الدخول في سياق الموضوع، لا بد من التذكير بأن بيان توحيد المملكة العربية السعودية وتسميتها قد صدر عام 1932 بمعنى أننا نعيش اليوم الذكرى الخامسة والسبعين بالتاريخ الميلادي، وذلك بعد نحو ثلاثين عاماً من بدء جهود الملك المؤسس للمّ شتات أطرافها، وقبل نحو عشرين عاماً من وفاته رحمه الله، حيث دام حكمه «أميراً على نجد ثم سلطاناً على نجد وملحقاتها وملكاً على الحجاز ثم ملكاً للمملكة» نحو 53 عاماً.
ولدى محاولة تتبع اسماء مبعوثيه وممثليه ووكلائه ومعتمديه ثم مفوّضيه وسفرائه إلى مختلف الزعماء والبلدان، تبيّن أن الموضوع أكبر من أن يضمّه مقال واحد، فاكتفيت بانتقاء أوائلهم وأبرزهم، على أمل أن يستكمل رصد الأسماء الباقية في عمل توثيقي أشمل قادم بإذن الله.
لقد برز من مبعوثي الملك عبد العزيز ابن عمه الأمير أحمد الثنيان الذي مثّله في أقدم مفاوضات مباشرة بين إمارة نجد وبريطانيا «في جزيرة دارين السعودية 1915»، وقام في عام 1922 بنقل رسالة من الملك عبد العزيز إلى الشريف علي بن الحسين «ملك الحجاز» في مكة المكرمة.
ثم تجدر الإشارة إلى أن من أبرز مبعوثيه في تلك الفترة هو ابنه الأمير «الملك» فيصل، الذي أوفده عام 1919 وهو في سن مبكرة جداً «13عاماً»، لتلبية دعوة من ملك بريطانيا احتفاء بانتهاء الحرب العالمية الأولى، وقد توالت رحلات الأمير إلى أوروبا قبل وبعد اختياره وزيراً للخارجية.
لكن المصادر تشير إلى اتصالات أقدم مع الأتراك «في اسطنبول» ومع الأشراف «في مكة المكرمة» ومع ابن رشيد «في حايل» قام بها مبعوثه صالح «باشا» العذل، وقد تمت بين عامي 1907 و1915، ثم تذكر المراجع أسماء شخصيات مثل: صالح بن عبد الواحد وعبد الله بن خثلان وحمد الشويعر وفهد بن زعير وحمد العبدلي وحمد السليمان الحمدان وخالد القرقني «مع الأدارسة في عسير» ومساعد بن سويلم «مع الأشراف في الحجاز» وعبد الوهاب أبو ملحه وسعيد بن مشيط وتركي بن ماضي والقرقني «مع الإمام يحيى حميد الدين باليمن»، كما يمكن القول إن جملة من مستشاري الملك عبد العزيز «وبالأخص حافظ وهبه وخالد الحكيم والقرقني ود. عبد الله الدملوجي» قد أوفدوا في مهمات سياسية إلى زعماء دول مجاورة أو صديقة أو للمشاركة في مباحثات حدودية أو نحوها وممثلين له.
ولعل مما قد يدخل في عداد المبعوثين. مجموعة من السعوديين والعرب الذين أقاموا أو تنقلوا في بلدان إسلامية أو أجنبية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي بهدف طمأنة شعوب تلك الدول وزعمائها على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في بلاد الحرمين، فكان ممن استقر في العراق على سبيل المثال لا الحصر «الصحافي النجدي سليمان الدخيل وغيره»، وفي بلاد الملايو «المؤرخ والصحافي الكويتي عبد العزيز الرشيد والشاعر الكويتي محمود شوقي الأيوبي والإعلامي العراقي يونس بحري والمثقف السوداني أحمد السوركتي وغيرهم».
وذهب إلى القارة الهندية «المثقف السعودي عبد الحميد الخطيب» وإلى مصر ثم أوروبا «الدبلوماسي السعودي إبراهيم المعمر» أما المؤرخ والأديب اللبناني «أمير الريحاني» فقد جال بلاد أوروبا وأمريكا الشمالية.
هذا ما يمكن إيجازه بالنسبة لمبعوثي الملك عبد العزيز الذين تطول قائمة أسمائهم والفترات الزمنية والجهات التي أرسلوا إليها، أما عن معتمديه، وهو لفظ يطلق على أسر أو شخصيات سعودية مقيمة في بعض البلدان، كان الملك يثق بها ويختارها لأداء المهام الاقتصادية أو التفاوضية أو الاجتماعية التي يحتاج إليها في جهاتهم وذلك قبل تأسيس السفارات والمفوضيات السعودية في الخارج، ومن الطبيعي أن تتفاوت أحجام صلاته بمعتمديه حسب الحاجة وعمق العلاقة مع تلك البيوتات، لكن كتب التاريخ تتفق على أن من أبرز وكلائه أسماء مثل عبد اللطيف «باشا» المنديل «في العراق» وعبد الرحمن القصيبي وإخوانه «في البحرين» وعبد الله النفيسي «في الكويت» ورشيد بن ليلى «في الشام» وفوزان السابق «في الشام ثم في مصر» وعبد الله الفوزان وعبد الله الفضل «في القارة الهندية»، وقد رصد الباحث السعودي محمد القشعمي سِيَر معظم هؤلاء في سلسلة مقالات نشرتها المجلة العربية الصادرة في الرياض، كما تضمن كتاب صدر لي هذا العام بعنوان: أعلام بلا إعلام سيرة شخصيتين منها.
وقد وردت إشارات متناثرة إلى وكلاء أكثر اعتمدهم الملك عبد العزيز في أقاليم عدة مثل المعشوق «في الإحساء» وابن زعير «في عسير» والشبل والذكير «في العراق» والرواف «في الشام» وغيرهم كثيرون، لكن الموضوع بحاجة إلى استقصاء بحثي أدق.
أما بالنسبة للسفراء ومن في حكمهم «كالقناصل والمفوّضين» الذين أوفدوا إلى الخارج لافتتاح أول ممثليات سعودية فقد رصدت أسماؤهم تلك الكتب التي تناولت العلاقات السعودية الخارجية، وبخاصة بعد إنشاء وزارة الخارجية السعودية عام 1930 وتعيين الأمير فيصل وزيراً لها، فبدأت بالمفوضية السعودية في لندن «1930» وتولاها حافظ وهبه وزيراً مفوضاً في البداية ثم صار «عام 1948» سفيراً طيلة بقية عهد الملك عبد العزيز.
أما المفوضية الثانية، فبدأت في القاهرة، مع فوزان السابق عام 1926 في شكل وكالة «معتمديّة»، ثم رفعت بعد عشر سنوات إلى مفوضيّة في عهد السفير عبد الله الفضل «1932».
أما الثالثة فقد تأسست في بغداد سنة 1932 وكان على رأسها لفترتين قصيرتين كل من عبد الله الخيال ثم محمد المطلق، ثم جاء إبراهيم المعمر ومحمد عيد الرواف وحمزة غوث لفترات أطول.
وقد توالى بين عامي 1932 و1949، وبخاصة بعد خمود الحرب العالمية الثانية، إنشاء إحدى عشرة مفوضية كان أبرز دبلوماسييها على النحو الآتي:
في الأردن: قنصلية عمّان تحولت إلى مفوضية «عبد العزيز الكحيمي وأخوه أحمد الكحيمي».
في سوريا: قنصلية في دمشق تحولت إلى مفوضية ثم إلى سفارة «رشيد الناصر وعبد العزيز بن زيد».
في أفغانستان: مفوضية في كابل «فؤاد الخطيب»
في إيران: مفوضية ثم سفارة «حمزة غوث»
في لبنان: مفوضية «عبد العزيز بن زيد»
في إندونيسيا: مفوضية «عبدالرؤوف صبان»
في الباكستان: مفوضية «عبد الحميد الخطيب»
في فرنسا: مفوضية «فؤاد حمزة ثم د. رشاد فرعون»
في الولايات المتحدة الأمريكية: مفوضية «أسعد الفقيه ثم عبد الله الخيال»
في تركيا: مفوضية «توفيق حمزة»
في إيطاليا: مفوضية «موفق الألوسي»
كما أنشئت خلال عهد الملك عبد العزيز خمس قنصليات في المدن الرئيسية الآتية:
في البصرة «فخري شيخ الأرض ثم محمد الحمد الشبيلي»
في الإسكندرية «طلعت ناظر»
في القدس «يوسف الفوزان ثم محمد المنصوري ثم أحمد الكحيمي»
في بومبي «يوسف الفوزان»
في نيويورك «إبراهيم بكر»
* باحث وإعلامي سعودي