هو بين الوزراء السعوديين، وبين الأكاديميين والباحثين، وبين وجوه المجتمع ومثقفيه، شخصية تنفرد بالعديد من السمات ولم يتكرر له مثيل فيما مضى.
وفي تقديري أن تحليل صفات أية شخصية، لا ينبغي أن يؤخذ بمعزل عن البيئة والجانب الوراثي اللذين كثيراً ما نغفلهما عند تناول سير بعض الأعلام، ومن يعرف والدَي هذه الشخصية يلحظ أنه تشبع بالكثير من صفاتهما، فهو ورث الترشيد والحزم وصفاء الذهن من شخصية والده، والرقة والبساطة من ملامح أخواله، واكتسب القرب من الناس من عمق انتمائه لبيئته، (عنيزة بالقصيم)، التي عاش فيها طفولته ثم غادرها، وهو لمّا يبلغ الخامسة عشرة بعد، لمواصلة تعليمه في مكة المكرمة (1937)، فبقيت ذكرياته عن بلدته وعن العاصمة المقدسة متجذّرة في أعماقه، يغرف منها الكثير من كتاباته ويومياته حتى اليوم، فثقافته حجازية نجدية مصرية إنجليزية بحكم دراساته.
لكن ما يعنينا في هذا المقال، هو الكفايات الفكرية التي أهّلته للترشيح لنيل التكريم بين المثقفين والأكاديميين السعوديين في مهرجان سنوي مخصص للتراث والثقافة منذ نحو ثلاثين عاماً، تجري فعالياته في إحدى الروضات المحاذية للرياض من الشرق (روضة الجنادرية) التي أصبح اسمها علماً على المهرجان وعنواناً مرادفاً لمدلوله التراثي.
فالجنادرية موقع يبعد نحو (30) كيلومتراً عن العاصمة السعودية يمتاز بخصوبته، وبازدهار نبته في موسم الربيع، وهو مكّون من ثلاث روضات تحيط بها سلسلة جبال متوسطة الارتفاع، وتصب فيها مجموعة من الأودية المحيطة، وكانت تعرف في كتب البلدان بمسميات قديمة مختلفة، والاسم (الجنادرية) عربي فصيح محدث (من الفعل جندر) الذي يدل على صلابة التربة، وتعد الجنادرية، وما حولها من روضات (مثل روضة خريم وخفس دغرة والتنهات والثمامة) إحدى مراتع سكان الرياض ومرابعهم منذ قديم الزمان، والمكان المفضل لتنزه ملوك البلاد.
كان الخويطر أول من حصل على درجة الدكتوراه من الأكاديميين السعوديين (1960) من بريطانيا، فكان أول من يعود إلى البلاد مؤهلا بهذه الشهادة العليا بعد إنشاء جامعة الملك سعود (1957) وإن لم يكن من مبعوثيها، وقد باشر عمله أستاذاً للتاريخ في هذه الجامعة الأم والأولى في البلاد، ثم أصبح أمينا عاما فوكيلا للجامعة، ثم تدرج منذ مطلع السبعينات في جملة من الوظائف القيادية (ديوان المراقبة العامة، الصحة، وزارة المعارف [21عاماً]، التعليم العالي بالوكالة، وانتهاءً بوظيفته الحالية وزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء) .
ويمثّل الخويطر، الذي كثيراً ما ينوب عن زملائه الوزراء بسبب قلة تمتعه هو بإجازاته المستحقة، يمثل في الواقع – بهدوئه وصمته وبساطته ولباقته وموضوعيته – إحدى ركائز الاستقرار ومعالم الثبات في الإدارة العليا للدولة، فهو في الواقع أكثر من وزير دولة وأقرب إلى المستشار إذا ما عرفنا أنه يكلّف بملفات واتصالات سياسية مهمة، وهو يرأس منذ عقود اللجنة العامة لمجلس الوزراء التي تقوم بالتحضير لجلساته، ووضع جدول أعماله، ويُعرف الخويطر بين النخب وبين أقرانه، بأنه إمام الترشيد في الإنفاق الحكومي، وفي القصد في المظاهر، والزهد بالأضواء.
والواقع أن الصورة الانطباعية العالقة في أذهان البعض عن انعدام المرونة في نهجه الإداري، لا تخلو من المبالغة فهو في أحيان كثيرة بالغ الإيجابية متى ما اقتنع بما يعرض عليه من أفكار.
وعودة للإنتاج الفكري للدكتور الخويطر، وبخاصة في مجال التراث، وهو النتاج الذي رشحه للتكريم في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (في الجنادرية)، فيمكن القول إنه مرّ بمراحل متنوعة، علماً بأن الخويطر لم يدخل إلى عالم التأليف إلاّ بعد مرور بضع سنوات على تخرجه وأحسب أن سنوات انشغاله في إدارة الجامعة قد انقضت دون أن يصدر له سوى مؤلفين في تحقيق لمخطوط تاريخ أحمد بن محمد المنقور وعثمان بن بشر، وهما من مؤرخي نجد الذين عاشوا في القرن الثالث عشر الهجري، حيث نشط في أوائل السبعينات في تحقيق المزيد من كتب التاريخ والتراث وشعر الوطنية، فكان مما أصدر في تلك المرحلة ترجمة لأطروحته عن الملك الظاهر بيبرس وتحقيق لكتاب الشاعر النجدي العملاق محمد بن عبد الله العثيمين، الذي عاصر الملك عبد العزيز ونظم فيه المطوّلات..
ثم دخل د. الخويطر خلال العقود الثلاثة الماضية في تأليف سلسلة من العناوين يتكوّن كل عنوان منها من أجزاء عدة، كان أولها كتابه التربوي الأصيل (أي بُنَيّ خمسة أجزاء) الموجه للنشء من جيل الشباب.
وأصدر سلسلة أخرى من سبعة عشر جزءاً بعنوان: إطلالة على التراث، ثم أصدر في مطلع هذا العقد كتاباً من ثلاثة أجزاء بعنوان: مل السلّة من ثَمرَ المجلة وهو يقع في مجال التراث، لكن المفاجأة الأبرز في مؤلفاته المتعددة الأجزاء كانت ذكرياته التي ما زالت تصدر تباعاً (صدر منها حتى الآن نحو خمسة عشر جزءاً) وهي بعنوان: وسمٌ على أديم الزمن: لمحات من الذكريات، وهو مؤلف كشف عن أن كاتبه كان يرصد ومنذ طفولته أدق تفاصيل حياته، وأخذ في تأليفه منحى التسلسل الزمني (العُمْري) في حياته.
وفي أثناء تلك الفترة (أي العقود الثلاثة الماضية) كان د. الخويطر يفاجئ قراءه أيضاً بين حين وحين بكتب ذات موضوعات وطنية أو اجتماعية متنوعة، وكان من أبرز ما ألفه من تلك الكتب مؤلفه الأكثر مبيعاً بعنوان (يوم وملك)، الصادر عام 1998 الذي روى أسطورة توحيد المملكة العربية السعودية، وكتاب آخر عن تاريخ التعليم في البلاد.
وهكذا، أصبح لشخصية هذا المقال المكرّمة في مهرجان الجنادرية لهذا العام نحو عشرين مؤلفاً، يصب معظمها في مجال التراث.
وبالإضافة إلى ما ذكر من مؤلفات، فإن الدكتور الخويطر ينشط في تعامله صحافياً مع الأحداث الاجتماعية والمستجدات الثقافية، فهو مثلا لا يترك ظرف وفاة عزيز إليه إلا ويرثيه بكلمة يروي فيها ما يجمعه به من صلات، ويبث فيها ما يشعر به من أشجان نحوه، مما كوّن لدى الخويطر من كلمات الرثاء حصيلة جمعها في كتاب للمراثي بعنوان (دمعة حرّى صدر عام 2007) وأحسب أن كثيراً من كتاباته المتجانسة ذات الموضوع المتقارب قد أصبحت الآن بالفعل عناوين لكتب مطبوعة تحمل اسمه، وهو يسير في هذا الطريق الموازي لبقية نشاطه التأليفي الآخر.
ثم إن للدكتور الخويطر مشاركات ثقافية أخرى، تتمثل في إسهاماته الواسعة في كتابة مقدمات لمؤلفات الآخرين، وفي مشاركاته في كتابه تعليقات أو شهادات يطلبها مؤلفون آخرون.
أبو محمد، من مواليد مدينة عنيزة بمنطقة القصيم (350 كم شمال الرياض) عام 1925، حيث درس جزءاً من الابتدائية وأكملها في مكة المكرمة، ثم حصل على الليسانس من جامعة القاهرة (1951) وعلى الدكتوراه من جامعة لندن (1960 كما سلف) وله من الأولاد ابن واحد وثلاث بنات.
* إعلامي وباحث سعودي