مع اليوم الوطني السعودي.. التحفة النبهانية: تاريخ مفقود


لم يكن عبد الكريم سعود البابطين يدري وهو يمد يد المؤازرة البحثية لي للعثور على صحيفة بَصْرية قديمة مفقودة، ويأتي على سيرة «التحفة النبهانية»، أنني كنت أيضا بصدد البحث عن المفقود منها.

والواقع أن لأسرة البابطين، السعودية الكويتية النشأة والانتماء، ممثلة برموزها المعروفة (عبد اللطيف وعبد العزيز وإخوانهما) أبناء سعود البابطين، فضلا على التراث العربي عامة، وعلى تراث الجزيرة العربية خاصة، ويكفي من مآثرها جائزة البابطين ومركز التراث والشعر المقامان في الرياض والكويت، والزاخران بعيون الكتب ونوادر المقتنيات وذخائر المخطوطات.

«التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية» هي موسوعة تاريخية ألفها محمد خليفة النبهاني المتوفى عام 1950م، ولا تزال بعض أجزائها مفقودة، وهي في مجملها سلسلة مزينة بالصور الفوتوغرافية النادرة تتكون من اثني عشر جزءا تغطي تاريخ الحجاز ونجد والأحساء والقطيف وحائل والقصيم والجوف والبحرين وعُمان والكويت والإمارات والبصرة والمنتفق واليمن وحضرموت وما حولها.

طبعت «التحفة النبهانية» طبعات عدة، كان أقدمها في مطبعة دار السلام ببغداد عام (1331هـ – 1912م) وفي مطبعة المحمودية بالقاهرة عام (1343هـ – 1924م)، ثم صارت الأجزاء (المعثور عليها) تطبع في بيروت والبحرين حتى عام (1425هـ – 2005م)، وكانت قد بُذلت جهود لم تُفلح بعد، وخاصة بعد الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس المملكة العربية السعودية (1999م) للعثور على الأجزاء المفقودة منها، وهي في عمومها أجزاء تتعلق بتاريخ المملكة التي تحتفل في هذه الأيام بالذكرى التاسعة والسبعين لتوحيدها (1932م(، أما الأجزاء المعروفة (المتداولة) الموجودة في المكتبات الوطنية ودور التوثيق فهي بالتسلسل الأجزاء «6 و8 و9 و10» البحرين والكويت والبصرة والمنتفق.

ويُستفاد من مقدمة الموسوعة، أن أسرته تنتمي نسبا إلى قبيلة طيء المنتشرة في حائل وما حولها من شمال الجزيرة العربية، ثم نزحت إلى ساحل عُمان وقطر واستقر بعضها في البحرين، وقد نزح والده الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني إلى مكة المكرمة مجاورا ومدرسا في الحرم المكي الشريف، وكان من المتخصصين في العلوم الشرعية وعلوم الفلك، وفي هذه المدينة المقدسة وُلد ابنه الشيخ محمد – موضوع هذا المقال – حيث درس في المدرسة الصولتية ودرّس في المسجد الحرام، وقد طاف بلدان الخليج واستقر في البحرين حيث انتهت أسرته من قبل.

ويبدو أن فكرة تدوين تاريخ الجزيرة العربية قد راودته عندما لاحظ أن تاريخ إماراتها – وخاصة البحرين – بقي مجهولا، وعندما زار بغداد بهدف طباعة ما ألفه عن البحرين عام 1331هـ (1912م) توسع في مؤلفه ليشمل عموم أقاليم الجزيرة، وقد اعتقل من قبل السلطات البريطانية وسلبت مخطوطاته، حتى أطلق سراحه عام 1334هـ بشفاعة حاكم البحرين (عيسى بن علي آل خليفة)، فأكمل الطبعة الثانية الموسعة من تحفته في المطبعة المحمودية في مصر عام 1924م، وقد صار قاضيا في البصرة حتى وفاته.

ولعل أفضل ما جددت طباعته في طبعات حديثة هي الأجزاء الثلاثة الخاصة بالبحرين والبصرة والمنتفق.

وبالاطلاع على الأجزاء الأربعة المتداولة من هذه الموسوعة، يلحظ القارئ أن الجزء السادس الخاص بتاريخ البحرين (262 ص) طبعة المحمودية بالقاهرة ط2 (1342هـ – 1923م) قد حقق لـ«التحفة النبهانية»، الشهرة الأوسع حتى عُد بسببها «مؤرخ البحرين» مثلما صار عبد العزيز الرشيد مؤرخ الكويت بعد تأليف كتابه النفيس «تاريخ الكويت» عام 1925م، وكتب عليه عددا من التعليقات والتصويبات التاريخية، وربما كان الكتاب الأقدم والأوفى من مثقف عاش في البحرين وجالس حكّامها وخالط أهلها، وقد ضم الكتاب 24 صورة لعدد من أسرة آل خليفة، أمراء البحرين، فضلا عن صورة المؤلف ووالده، وتحدث عن تاريخ البلاد قديمه وحديثه، وجغرافيتها واقتصادها وحالتها الاجتماعية والثقافية.

وقد خصص الجزء الثامن للكويت، فظهر في نحو 224 صفحة، تمتد معلوماته إلى عام 1368هـ (1949م) أي قبل وفاته بعام أو عامين، فهو بهذا يأتي لاحقا لصدور كتاب «تاريخ الكويت» لعبد العزيز الرشيد، وقد سلك في تأليفه المسلك نفسه من حيث المواضيع، حيث يبدأ بالحدود الجغرافية، وبالتاريخ القديم ثم الحديث، ويعرج على الحالة الاقتصادية والاجتماعية وهكذا، ثم يضيف معها الرسوم والصور الفوتوغرافية التي تثري الأهمية التوثيقية للكتاب.

أما الجزء التاسع، والخاص بتاريخ البصرة (430 ص) المطبعة المحمودية بمصر (1343هـ – 1924م) فقد تضمن 28 رسما فوتوغرافيا لشخصيات سياسية وثقافية من جنوب العراق، كما تضمن في آخره قائمة بمؤلفات المؤلف، وقد ركز فيه على التاريخ القديم لمنطقة البصرة وما يحيط بها (الزبير وأبو الخصيب والفاو وغيرها).

أما الجزء العاشر المتعلق بتاريخ المنتفق، وهو لواء متاخم للبصرة يمر به نهر الغرّاف وتقطنه عشائر مختلفة، ومنهم السعدون والظفير.

يقع هذا الجزء في أقل من مائتي صفحة، مزينة بالصور ومذيلة بالتصويبات وبقائمة الوفيات، واحتل التاريخ الحديث الواقع في الربع الأول من القرن الماضي معظم محتويات هذا الجزء. إن هذا المقال لا يجزم بدقة «التحفة النبهانية» في أجزائها الأربعة من الناحية التاريخية، بقدر ما يؤكد أهمية المعلومات والصور الواردة فيها، وقد يقول قائل تعليقا على فقد الأجزاء الثمانية، إنها ربما لم تطبع أصلا، لكن وجودها في أعداد غير متسلسلة يرجح فرضية الفقدان.

جدير بالذكر، أن للنبهاني قائمة أخرى معروفة من المؤلفات (لا تقل عن أحد عشر كتابا) في الأنساب والمعادن والمخترعات والعلوم والجغرافيا والحديث وغيرها، وقد وردت عن سيرته ترجمة موسعة في الكتب التي تناولت علماء مكة المكرمة، وسير المؤلفين العرب، وقد تردد اسم أخيه أحمد خليفة النبهاني بوصفه أحد مثقفي الحجاز في القرن الماضي، وأحد من تولى بلدية الرياض قبل سبعين عاما.

وكنت قد حاولت أن أجد علاقة بين تلك الأسرة وبلدة النبهانية المعروفة في منطقة القصيم، فوجدت أن كلتيهما – البلدة والأسرة – تنتميان إلى نبهان بن عمرو (من قبيلة طيء)، حيث كانت الجهة الغربية من منطقة القصيم تابعة لها.

والمرجو – بمناسبة اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية – أن يساعد نشر هذا المقال في مواصلة الجهود للبحث عن المفقود من هذا التاريخ، الذي يغطي أجزاء واسعة من المملكة، ويتضمن – قياسا على ما ظهر منه من أجزاء – صورا فوتوغرافية لشخصيات معاصرة له في النصف الأول من القرن الماضي، وخاصة في إقليم الحجاز، حيث ولد وجاور ودرّس في المسجد الحرام.

* باحث وإعلامي سعودي