من سفراء البعثات : أحمد المانع والمنقوران


لا تكاد تُذكر البعثات التعليمية المبكرة، إلا وتحضر في الأذهان في مقدمتهم، أسماء ثلاثة ملحقين ثقافيين، حُفرت في ذاكرة الطلاب والآباء والمسؤولين وهم: عبدالمحسن وابن عمه عبدالعزيز المنقور، وأحمد بن الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع، كانوا -بحكم التصاقهم بشؤون المبتعثين وقربهم منهم- بمثابة سفراء وأهل وآباء لهم، يرعونهم كأفضل ما تكون الرعاية والتوجيه والحب والأبوة والملاذ.

سيكون لي قريباً بإذن الله وقفة عن (المنقورين) عبدالعزيز -حفظه الله-، وعبدالمحسن الذي أغمضت عيناه عن الدنيا قبل عامين، وأتحدث اليوم، ولو بإيجاز يقتضيه المقام، عن السفير الثالث غير المتوّج، الذي ودّعناه بالأمس وفي الخاطر عنه أكثر من غصة، لأنه كان من جيلٍ لا يقبل التكريم عما بذل، وهو يتواضع عما قدّم، ويقلل مما أعطى، ويخجل من علمه، يتجنب الأضواء، ويتوارى عن وهج الإعلام، مع أنه حاز الإجماع بحب الطلاب، ونال شهادة المسؤولين والأهالي وثقتهم بجهوده الفريدة في الاهتمام بهم والاطمئنان عليهم.

ثم أصبح طريح رعاية ربه منذ خمسة أعوام، فما كان يثقل على محبيه بزيارته، يتجرع آلام المرض والعزلة في حين كانت قلوبهم ترقبه، وذاكرتهم لا تكاد تتوقف عن تصوره، والألسن تدعو له.

إنه (الأستاذ) أحمد، الابن الأوسط لفضيلة الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع، الذي كان استلم أمانة مديرية التعليم العامة من الشيخ محمد طاهر الدباغ عام 1364هـ، وسلّمها للأمير فهد بن عبدالعزيز عام 1373هـ، بعد تحويلها إلى وزارة.

ولد ابنه الأستاذ أحمد في حدود عام 1347هـ، ورافق والده يسير على خطاه في طلب العلم والاهتمام لطلابه، وقد شدا أطرافاً من المعارف المتنوعة حتى صار من العلماء التراثيين الذين يمكن للمحقق أن يركن إلى معلوماتهم، وبخاصة فيما يتصل بدراسات الجغرافيا والتاريخ والأنساب (ومعرفة القبائل) وكتب التراث، وحتى قال عنه محمد بن عبدالله العبدالقادر في كتابه: تحفة المستفيد (إنه فقيه محقق متخصص في معرفة الكتب ومؤلفيها).

عُرف الأستاذ المانع أكثر ما عرف طيلة عمله في الملحقية الثقافية السعودية في مصر طيلة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات الهجرية من القرن الماضي، فكان سنداً للمبتعثين، مرناً معهم، سخيّاً بماله الخاص لمواجهة ظروفهم، يستضيف ويسلّف، ويوظف علاقاته الخاصة في سبيل تسهيل قبولهم، والحصول على مقاعد ومنح لهم في أصعب الكليات العلمية المصرية قبولاً وأضيقها حيّزاً لغير المصريين، وبخاصة في مجال الطب.

لقد كان رحمه الله، كما قلت في المقدمة، يتوارى عن ذكر أعماله، ويتواضع، بأدبه، عن تقدير علمه، وها هو اليوم يتوارى عن الدنيا، محفوفاً بمغفرة ربه وبالذكر الجميل في وطنه، وقد وجب على حملة القلم أن يستعيدوا سجله الحافل بالمكارم، لا وفاء له فحسب، ولكن للتذكير بأن المعروف (العُرف) مع المبتعثين ومع طلاب العلم عامة، والإخلاص في رعايتهم وخدمتهم، لا يذهب عند الله والناس.