والمدينة المنورة أقدس وأدْوَم


تحتفل المدينة المنورة، حكوميا وشعبيا اليوم، باختيارها لعام 2013 عاصمة للثقافة الإسلامية، جريا على التقليد الذي سنته المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإيسيسكو ومقرها في المغرب) لاختيار عاصمة سنوية للثقافة، تقيم احتفالا إسلاميا وعالميا بالمناسبة، ترافقه على مدار العام فعاليات تنافسية تليق بها، وتنشأ معها نشاطات جديدة لا تكون متوافرة في تلك المدينة من قبل.
والواقع أن هذه الفكرة، ومنذ أن بدأ هذا التقليد قبل عشر سنوات، قد حركت الراكد الثقافي في تلك المدن (العواصم) التي تم اختيارها، بغض النظر عن كونها عواصم سياسية أو مدنا ذات تاريخ ثقافي عريق، فلقد احتفلت ضمن هذا البرنامج وحتى هذا العام مدن إسلامية عدة، بدءا بمكة المكرمة عام 2005، ثم تلتها حلب وأصفهان وتمبكتو وطرابلس وفاس وطشقند وداكار والإسكندرية ولاهور وجيبوتي والقيروان وباكو وكوالالمبور وتريم ودوشامبيه وموروني وتلمسان ونواكشوط وجاكرتا وكوناكري والنجف ودكا ونيامي، ثم المدينة المنورة وبعدها ونزوى والشارقة، وكان هذا البرنامج مناسبة للفت أنظار العالم الإسلامي إليها على مستوى الشعوب والمثقفين والرسميين على حد سواء. وبمقتضى هذا البرنامج يتم سنويا اختيار ثلاث مدن من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، بالإضافة إلى المدينة التي يعقد فيها مؤتمر وزراء الثقافة الإسلامية.

أما شجون هذا العنوان، فقد بدأت عند كاتبه مع بداية التفكير بهذا البرنامج (عام 2002) عندما اختيرت مكة المكرمة فاتحة له لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية (لعام 2005)، فقد دخل الكاتب فيما يشبه مطارحة ودية متطابقة مع الفقيه المكي المستنير الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، عضو هيئة كبار العلماء في السعودية وعضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى، منطلقا من أن مكة المكرمة والمدينة المنورة هما عاصمتان أبديتان للتاريخ والثقافة الإسلامية، ولا ينبغي – مع الاحترام البالغ لغيرهما – أن يتساويا مع العواصم والحواضر الإسلامية الأخرى (جريدة الحياة، العدد 14257 بتاريخ 20 أبريل/ نيسان 2002).

وقد تطابق الرأيان على أن جدارة قبلة الإسلام مكة المكرمة، ومعها شقيقتاها المدينة المنورة والقدس، مؤكدة – بحكم الواقع لا بفرمان من منظمة أو بقرار بشري – أن تبقى عواصم أبدية، لا لعام محدد، للثقافة والحضارة الإسلامية، وألا يستجدى لها الاعتراف من أحد، وأن تخص جميعا بأقصى ما يمكن من التعبئة والجهود والميزانيات السخية، لتبقى منارات مشعة في قلب العالم الإسلامي، وجواهر مضيئة بين الحواضر والعواصم كلها، وينبوعا جاريا للمعارف والعلوم، لأن قيمة هذه العواصم الثلاث الثقافية – كالروحية – شاخصة منذ أن بزغ فجر الإسلام، وستبقى بإذن الله شامخة إلى يوم الدين، وذلك رغم حقب تاريخية وعهود سياسية سالفة أهملت فيها تلك المدن الثلاث تنمويا وثقافيا، وبخاصة الاغتصاب الصهيوني للقدس.

واليوم، تشهد مكة المكرمة والمدينة المنورة، بإقرار أهاليهما وزوارهما، نهضة تعليمية واقتصادية وعمرانية غير مسبوقة في تاريخهما، والأمل أن تتضافر جهود المثقفين في عاصمة الإسلام الأولى (طيبة الطاهرة) مع أميرها المثقف الجديد، لتحقيق نهضة ثقافية مواكبة، تستثمر الطاقات الفكرية المتدفقة فيها، وتعيد للمدينة المنورة مكانتها العلمية والحضارية العريقة المكينة في نفوس المسلمين أجمع.