ولي العهد السعودي .. الجديد من منظور مجتمعي


مكنت الفترة الطويلة (نصف قرن) التي قضاها سلمان بن عبد العزيز أميرا للعاصمة السعودية ومنطقتها، من أن تصقل قدراته الكامنة أصلا لديه، وتضيف لها كفايات أخرى، وأن يكتشف المجتمع مواهبه القيادية للحكم، لدرجة أنه عندما اختاره الملك بالأمس وليا لعهده، لم يكن أحد بحاجة للتعرف عليها، أو لاختبارها.

وفي تقدير الكثيرين في المجتمع، أن من أبرز صفاته التي أحبها الشعب فيه محافظته على طبائع تكاد تذبل في عصرنا الحاضر، ومنها مباشرة أعماله في ساعات الصباح المبكر، والتزامه الدؤوب لقاء المواطنين والمقيمين مرتين في اليوم، ومرة في داره في الأسبوع، في تطبيق عملي وحرفي لسياسة «الباب المفتوح» التي طالما افتخرت بها الأنظمة والتكوينات الخليجية كافة، وامتازت على غيرها بها.

تقليد «الباب المفتوح» هذا، مظهر يلقي بالمسؤولية على الحاكم والمحكوم معا في تبادل الرأي والمشورة في قضايا المجتمع، ثم أصبح المقياس الأول في تقويم المواطنين للاستعداد النفسي لحاكم المنطقة للتعرف على أحوال الناس، والاختبار الأبرز لجاهزيته القيادية، فعندما يطرح اسم أمير إحدى المناطق الإدارية السعودية الثلاث عشرة للتداول بين الناس يكون السؤال الأهم الذي يتصدر النقاش عنه هو عن مدى الأخذ بهذا المبدأ والحفاظ عليه، ويكون تطبيقه هو المعيار الأبرز في الحكم على قدراته ونجاحاته.

حكام الخليج الأقدمون دون استثناء تبنوا هذا التقليد، والسعوديون على وجه التحديد يذكرون هذه الخصلة للملك المؤسس وللأئمة والأمراء من قبله على مر التاريخ، ويتذكر المعاصرون للملك عبد العزيز كيف كان يخصص جل أوقاته للقاء المواطنين ويجلس لاستقبالهم، ويشرح صدره لما يقولون في مجلسه اليومي حتى صارت قصصه من نوادر التاريخ المروي والمكتوب.

عندما يتصدر الحديث عن هذا التقليد الاجتماعي في الجزيرة العربية، وفي بعض الأنظمة التي تستمد تقاليدها من طباع القبائل والعشائر العربية، فلأن من أكثر من استمر على تطبيقه والالتزام به على مر العقود هو شخصية هذا المقال الذي يتطلع السعوديون إلى قيادته المرتقبة صحبة أخيه ملك البلاد، فلقد خبروه وعرفوه وتعاملوا معه، ولم يعودوا في حاجة إلى التعرف على أسلوبه وطريقته وأفكاره. ولم يكن هو بحاجة إلى وقت لرسم خطوط سياساته.

ولي العهد جديد من حيث تسمية الاختيار، لكنه عتيق التجارب، ذو خبرة تراكمية طويلة وعميقة وعريقة في الحكم والسياسة والإدارة المحلية والعلاقات الاجتماعية، وما كان هذا المقال ليكتب اليوم إلا لمناسبة توقيت اختياره لهذه المسؤولية القيادية، ولزيادة تعريف القارئ العربي به، مع أنه في الواقع من أكثر الأمراء السعوديين حضورا في العالم العربي، وفي بعض دول العالم.

المواطن السعودي كان يتوقع هذا الاختيار، وفرح لسرعة اتخاذ القرار بشأنه، وسر أكثر لما يتميز به من وقع عليه الاختيار من مواهب قيادية متعددة الكفايات، تمتد بين الحضور الاجتماعي المكثف، والحضور المبكر في موقع العمل، والانضباط في المواعيد، وحسن إدارة الوقت، والتواصل مع الناس بكل طبقاتهم وشرائحهم، ومعرفة فئات المجتمع، وتقدير التوازنات الاجتماعية، والإلمام بالجغرافيا والتاريخ، ويتطلع المواطن إلى أن تستفيد مناطق البلاد كافة من تجربته السديدة في تطبيقات التنمية المحلية الباهرة لمنطقة الرياض على مدى خمسة عقود.

* إعلامي وباحث سعودي