ليلة الغزالة


كانت نزهة نفسية غامرة في عالم الإنسانية، بأعمق معانيها وأبلغ صُوَرها، وأوسع أبعادها، وأنت تذهب في عمق الصحراء جنوب منطقة حائل، لترى عشرات المعوزين، ينتقلون من بيوت الشعر ومساكن العشوائيات، تحنو عليهم يد أحست بمعاناتهم، وقلب وقف معهم، ونفس جبرت خواطرهم، فجعلت من المسكن الحديث الساتر أحد أوجه البر والإنفاق والصدقة الجارية، لتحوّل حياتهم إلى سعادة وهناء وإنتاج.

لم تكن نزهة بريّة بين منابع المياه، وزغردة الطيور ومُرجان الربيع والنباتات، بل كانت في صحراء قاحلة، شحيحة المياه، لكنها كانت غامرة بمعاني الود والتراحم وأواصر الخير، عندما سعدت للمرة الثانية في عمر هذه المؤسسة الإسكانية الوقفية الخيرية، تزرع الحب والبسمة على شفاه شريحة محتاجة، لم تكن قادرة إلى الوصول إلى ديوان من أسسها، لكنه أوفد من تلمّس أوضاعهم وحدد احتياجاتهم، ونقلهم من حياة لا تليق بمكانة بلد ينام على أثمن ثروات العالم، ولا تتناسب مع العصر.

كانت المرة الأولى منذ ثلاث سنوات عندما حضرت أول مشروعات هذه المؤسسة الخيرية في قرية النباه شمال ينبع، وشاهدت في ليلة من ليالي العشر الأواخر من رمضان المبارك، أيادي تلهج بالدعاء، وأكفّاً تتضرع بالمغفرة لولي الأمر ولوالديه، وهي تتسلم مفاتيح بيوت تقيهم القيظ، وتحميهم من المطر والبرد، وتوفر لهم المصحة والمدرسة والمسجد وحتى النادي ومركز التدريب.

كانت البداية، لكنها كانت القدوة الطيبة، حينما بدأت مصارف البر تتنوع في كل اتجاه، وفي مقدمتها توفير المسكن الشعبي المريح، أول احتياجات أي أسرة فقيرة، بعد الغذاء والدواء، فتبعتها مبادرات خيّرة في مواقع مختلفة من هذا الوطن العزيز.

لقد كانت ليلة النباه قبل ثلاث سنوات، وليلة الغزالة يوم أمس الأول من أسعد الليالي في حياتي، تمنيت فيها لو كان كل الموسرين معنا، ليشاهدوا كيف كان البِشر يطفح على وجوه العجزة والمساكين، وكيف كانت الدموع تنهمر من أحداقهم، وكيف كان الدعاء يصعد إلى السماء لا يردّه حاجب، ولا يقف عند نقطة تفتيش.

جعلنا الله وإياكم من {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}