إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن سيف المعمر (أديب الديوان الملكي السعودي في العشرينيات)، رجل من رجالات الدولة السعودية، ومن أبرزهم في غضون تأسيسها ومراحل تطويرها، وحينما يلقى على مسامعك اسمه، تقفز بك الذاكرة إلى مشاهير الرواد في السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والاجتماع والتاريخ والإدارة.
هو من أسرة آل معمر، أمراء العيينة، ولد في الكويت عام 1878م، وتربى فيها مع والده، ثم يمم وجهته نحو الهند، حيث زاول مهنة التجارة، واشتهر بكثرة الترحال من بين أقرانه، ومما يذكر أنه قام برحلات إلى دول آسيا وإفريقيا، ودول عربية، وأخرى أوروبية حيث ألقى به عصا الترحال في مصر وبعد دخول المؤسس الحجاز أرسل إليه رسالة يسأله فيها، إن كان يرغب في القدوم إلى المملكة العربية السعودية، فما كان منه إلا الموافقة وقبول العرض فوصل الحجاز عام 1344هـ/ 1926م، وبعد وصوله عينه المؤسس رئيساً للديوان الملكي قبل خمسة وثمانين عاماً حيث جاء خلفاً للشيخ محمد الطيب الهزازي رئيس الديوان الملكي سابقاً، وظل في عمله هذا حتى عام 1933م.
وخلال عمله في الديوان الملكي أناط به المؤسس – طيب الله ثراه – مهاماً جساماً عدة وهي:
– مرافقة الأمير فيصل بن عبد العزيز (ثم الملك لاحقاً) في رحلته الثانية إلى أوروبا وذلك عام 1926م.
– اجتمع بوزير الخارجية العراقي (ناجي شوكت في الكويت موفداً من قبل المؤسس لعقد المؤتمر الذي التأم على الطراد البحري (لوبين) عام 1930م بين الملك عبدالعزيز وملك العراق فيصل الأول والمندوب السامي البريطاني، حيث أسفر عن توقيع اتفاقية صداقة وحسن جوار بين البلدين عام 1931م.
– حضر الموقعة الحربية الشهيرة (السبلة) عام 1928م مع الإخوان في روضة قريبة من مدينة الزلفي، حيث ذكر الشيخ محمد المانع – رحمه الله – في كتابه (توحيد المملكة العربية السعودية ترجمة د. عبد الله العثيمين أنه كان يرأس مفرزة الرشاشات والمدافع، التي كان لها دور حاسم في المعركة.
– كما شارك في موقعة حربية أخرى في الدبدبة تسمى (القرعة).
– اختاره الملك عبد العزيز آل سعود في مهمة إحضار شيخ مطير – فيصل الدويش – ومرافقته عندما أعاد الإنجليز بعدما لجأ إلى الكويت عام 1929م.
حدث بينه وبين أحد أركان الأسرة المالكة خصومة أدت إلى تغيير موقفه، فعينه المؤسس وزيراً مفوضاً له في بغداد، وقد اهتم بشأن النجديين الذين يقطنون العراق، وبعد فترة وجيزة من فتح المفوضية كان منصبه في واحدة من أهم العواصم العربية التي تبين ثقة المؤسس فيه ومن المعروف أن جاليات سعودية كبيرة تقيم في العراق، وأن قبائل وعشائر عربية كانت تنتشر على المناطق الحدودية بين البلدين، فكان من مهامه الأساسية العناية بأمر الرعايا السعوديين فضلاً عن إشرافه على تطبيق اتفاقيات الحدود الموقعة حديثاً بين الدولتين وعلى تطبيق إجراءات الحج لمن يرغب فيه، وكان له صلات قوية مع رؤساء العشائر.
– أشرف على تنظيم الزيارة التي قام بها ولي العهد الأمير (الملك لاحقاً) سعود عام 1936م.
– عين قائمقام لمدينة جدة 1937م وهو ما يقصد به (محافظ)، وشغله لعقدين من الزمن، وفي أثناء توليه منصب قائمقام جدة، كلف بأعمال منها: وكيل وزارة الخارجية نيابة عن فؤاد حمزة الذي تغيب لأسباب صحية 1938م.
– ترتيب زيارة ملك أفغانستان محمد طاهر شاه إلى المملكة عام 1949م، حيث كانت قبل وفاة المؤسس بأربع سنوات ومما يذكر له إصراره على عدم تنكيس العلم السعودي على هامش الحداد العام على وفاة ملك العراق – فيصل الأول – لأن العلم السعودي يحمل لفظة الشهادتين، وإثر موقفه هذا تبنت الحكومة هذه الفكرة.
ومما يذكره المترجمون له في كتبهم، أن الرجل كان عميق الثقافة، فقد كان يتحدث الإنجليزية والأردية والفارسية إلى جانب العربية وقد أخذ هذه اللغات بالتعلم والدراسة والتلقين، وثمة جانب آخر وهو الممارسة ومخالطة المجتمع والنهل من فلسفته، ومما يذكر له بوصفه أديباً وشاعراً ما كتبه بقلمه من المقالات التي نشرت في الصحف المصرية آنذاك، كما كان له مشاركات ثرة ثرية في الصحف السعودية، منها مقالان نشرهما عام 1926م في الجريدة الرسمية (أم القرى واصفاً الرحلة إلى المدينة المنورة، كما نشر أبياتاً شعرية يصف فيها تلك الرحلة في نفس الجريدة عدد 110 يناير 1927م.
هذا وقد كان له سكرتير خاص في قائمقام جدة، يدعى (إبراهيم الحسون) أصدر كتاباً في ثلاثة أجزاء طبع عام 2003م، تحدث فيه عن أسلوبه ووصفه بأنه أسلوب حديث لا تظهر فيه الجمل الكلاسيكية المألوفة في مراسلات ذلك الزمن السالف، وهو يبدو وهذا حق أنه كان يكتب بقلم ينم عن عقلية منفتحة الفكر، حديثة الثقافة، كما أشار الأستاذ الحسون إلى روحه العربية، وافتخاره بعروبته، وما يرفع شأن وطنه المملكة العربية السعودية، كما ألمح إلى جوانبه الإنسانية، وأريحيته الدينية في مؤازرة المحتاجين والحدب عليهم، ومد يد العون والمساعدة لهم ومن جميل ما يجدر الإشارة إليه في هذا المقام، مقال ونعت الأستاذ محمود بشير المدني صاحب كتاب (أساطين العالم وقادة الأمم – ومفكروها خلال القرن العشرين حيث ترجم له فيه ترجمة موجزة ومن رائق وذائق ما ورد فيها قوله: (كانت ومازالت جزيرة العرب تنجب فرسان البلاغة، وأحلاس الحروب، والأجاويد كشاف الحروب، وسيوف الإسلام وساسة الدول، صاحب السعادة الشيخ إبراهيم بن معمر محافظ جدة الآن علم من الأعلام الذين ظهروا في جزيرة العرب، فبيته في نجد من أكرم بيوتها، وأسرته المباركة معروفة في طول الجزيرة وعرضها مشهورة بمآثر رجالاتها، وقد غذي منذ نعومة أظفاره بلسان العروبة، وطبع على الفطرة الإسلامية، فلما نشأ اشتهر في قومه بالذكاء النادر والنجدة العربية، والحمية الإسلامية، إلى علم واسع، وتصريف للأمور (بارع، وتذكر المصادر التي ترنمت بالترجمة له، أنه كان يضيف إلى اسمه لقب النجدي، وكان الناس يطلقون عليه (الجنيفي) وهو لقب لا يعرف أساس لإطلاقه، حيث يعزى إلى قرية من قرى سدير شمال الرياض، أقام بها، ووالده، أو هو نوع من السلاح السويسري الذي كان يستورد من جنيف.
هذا وقد تزوج رحمه الله من عدة نساء وأنجب من الأولاد عبدالله، وعبدالعزيز اللذين شغلا مناصب قيادية في ديوان المغفور له بإذن الله الملك سعود وعبدالرحمن وأحمد وسعود ومن البنات نورة وفاطمة وشعيع ومنيرة.
وبعد:
فيحسن بنا ختم هذه السيرة بما ختمها الدكتور القدير – عبد الرحمن الشبيلي- رحمه الله – حين ترجم له في جريدة الشرق الأوسط فقال هذه ملامح من سيرة إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن سيف المعمر، أحد رجالات الدولة السعودية التي رافقت مراحل التأسيس الإداري والسياسي المبكرة، كلها ملامح لا تكتمل دون العثور على مذكراته وتتبع جميع ما كتب عنه، فهو من الرواد الذين يتجدد، تاريخهم، ومن الأوائل المعروفين برجاحة العقل، والمروءة والوطنية وقد وردت عنه ألمامات محدودة في كتابات حمد الجاسر ومحمد المانع وعبدالله فيلبي وأمين سعيد ومحمود بشير المدني ووليام فيسي، كما ورد ذكره كثيراً في الوثائق الأجنبية المحفوظة عن فترته).
وكانت وفاته في عام 1958م حيث ذهب للعلاج في بيروت وهناك توفي في أحد مستشفياتها -رحمه الله وغفر له-
** **
حنان بنت عبدالعزيز آل سيف – بنت الأعشى-
عنوان التواصل Hanan.alsaif@hotmail.com