برحيل الأديب ورجل الأعمال السعودي عبد المقصود خوجة، فقد الوسط الثقافي والعلمي والاجتماعي العربي والإسلامي، أول من أمس، رمزاً من رموز الوفاء والدعم للمفكرين والمبدعين، ومن لهم حضور لافت في شتى العلوم، مسجلاً بذلك السبق والتفرد بعد أن كرم طيلة أربعة عقود أكثر من 500 شخصية، من مختلف دول العالم، كانت حاضرة في المشهد، وقدم أعمالهم للمتلقي، بعد أن حوّل أشهر صالون أدبي عربي في دارته بجدة إلى منتدى أسبوعي منتظم حمل اسمه، وأبرز أعمالاً نافس فيها المؤسسات الرسمية بمبادرة «الاثنينية»، بتكريم الأحياء من المبدعين والمفكرين وأصحاب الأعمال المميزة في شتى العلوم، مخالفاً في ذلك السائد المألوف بتكريم الأعمال المتميزة بعد رحيل أصحابها، وليس في حياتهم، وزاد عن ذلك في مبادرته بنشر إنتاجهم مطبوعاً وإتاحته عبر وسائل التواصل المتعددة مجاناً.
ومن الصعوبة الإحاطة بالأعمال التي قادها وتبناها ووثقها الراحل عبد المقصود محمد سعيد خوجة من خلال «اثنينيته» الشهيرة، التي كانت تقام مساء كل اثنين في دارته بجدة، فعلى مدى أكثر من أربعين عاماً تم تكريم 520 اسماً في «الاثنينية» من البارزين في شتى العلوم والمجالات الأدبية والعلمية والفكرية والتاريخية والطبية، من مختلف دول العالم، وحمل سجل المكرمين شخصيات رجالية ونسائية، ورموزاً من روسيا والأرجنتين والهند ودول عربية وبلاده السعودية، ولم تكتف «الاثنينية» الشهيرة بهذا التكريم وهذا العدد، بل بادرت بتوثيق وإبراز اللقاءات مع الشخصيات المكرمة وطباعتها في «إصدارات الاثنينية»، التي بلغ مجموعها حوالي 200 مجلد، إضافة إلى جمع وتوثيق الأعمال الأدبية للأدباء السعوديين من الرواد التي قدمت للمتلقين مجاناً. وتقديراً لهذه الأعمال المميزة والإنجازات التي بادر بها الراحل عبد المقصود خوجة وتبناها، تم منحه الزمالة الفخرية من قبل «رابطة الأدب الحديث» في القاهرة، كما تم قبل 12 عاماً تكريم «الاثنينية» من قبل وزارة الإعلام في بلاده كمؤسسة ثقافية.
ووصف المؤلف والباحث وكاتب السير الراحل عبد الرحمن الشبيلي، الذي كان إحدى الشخصيات التي تم تكريمها من قبل «اثنينية» عبد المقصود خوجة في نهاية عام 1994م، الراحل خوجة بقوله: «كان قامة فكرية متأصلة، ووارث مجد ثقافي وارف، وظف موارده المالية في مواقفه الخيرية والثقافية، اقتداء بشخصية والده الأديب محمد سعيد…».
استلهم الراحل عبد المقصود خوجة هذه الخصال في دعم أهل الفكر والنخب وتكريمهم، من والده محمد سعيد عبد المقصود خوجة، الذي ولد في مكة المكرمة عام 1906م، ويعد أحد رواد الأدب والتاريخ في الحجاز، وكان له حضور في النهضة الفكرية فيها، وعمل في الصحافة واشتهر بكتابة المقالة باسم مستعار وهو «الغربال»، كما عمل مديراً لتحرير صحيفة «أم القرى»، وكان عهده بمثابة العصر الذهبي للصحيفة، كما كانت له بحوث ومؤلفات منشورة عن الأدب الحجازي وغيرها من المؤلفات، وساهم أيضاً بطباعة العديد من كتب التراث، وأدار مطبعة «أم القرى»، وصدر خلال إدارته لها «تقويم أم القرى»، الذي يُعمل به حالياً.
كانت مكة المكرمة والرياض وبيروت ودمشق محطات في حياته، فقد ولد في مكة المكرمة 1936م، ودرس بمدرسة الفلاح، ثم أكمل تعليمه بالمعهد العربي الإسلامي بدمشق، وبدأ حياته العملية مندوباً للديوان الملكي السعودي إلى المفوضية السعودية ببيروت، وبعدها عمل بالمكتب الصحافي في السفارة السعودية بالعاصمة اللبنانية، ثم مديراً للمكتب الخاص للمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر في جدة، ثم مديراً لها، وفي عام 1964م، استقال من العمل الحكومي ليدخل عالم المال والأعمال بتأسيسه شركات متعددة الأنشطة. ويحمل الراحل عضوية شرف عدة جهات حكومية وخاصة أندية رياضية وجمعيات خيرية، كما كان عضواً مؤسساً في مؤسسات صحافية.