الشرق الأوسط ترصد تحولات اليوم الوطني… بين عيد الجلوس والعيد الوطني

جريدة الشرق الاوسط 23 سبتمبر 2023م  بقلم بندر بن عبدالرحمن بن معمر

إن المتأمل في رؤية الملك عبد العزيز لبناء الدولة وإرثه السياسي والدستوري ومدرسته في مناهج الحكم وإدارة الدولة، يدرك أن كل ذلك كان كفيلاً بجعل الملك عبد العزيز يغمض عينيه مطمئناً على دولة سيحافظ عليها من بعده أبناؤه، خريجو مدرسته، وأمناء إرثه، وورثة حكمه، فكيف به لو أدرك طلائع منجزات أحفاده التي أدركنا؟

لكن تأريخ ذلك الإرث ودراسته لم ينل كامل حقه من البحث والتدوين والرصد والتوثيق والتحليل! كما أسهمت فوضى وسائل التواصل ومنصات الاتصال في تأصل مفاهيم غير دقيقة تتصل بجوانب عدة من التاريخ السعودي الحديث، علاوة على وجود نظريات ومقولات يجانب معظمها الصواب، خاصة ما يتعلق بتاريخ الدولة السعودية عموماً وأسسها الدستورية وطبيعة أنظمتها وخلفياتها وأعرافها وتقاليدها وقواعد عملها النظامية والقانونية خصوصاً.

كما أن نُدرة الدراسات والبحوث التي تتناول، وبعمق جوانب مهمة مثل الجوانب «الدستورية» من التاريخ السعودي وشح المعلومات المتصلة بها تُصعّب من مهمة الباحثين، وقد يكون مفهوماً حساسية بعض المعلومات المرتبطة بانتقال السلطة والبيعة، أو ما يعرف بـ«توارث العرش» في دساتير بعض الدول مع إيضاح الفرق بين المصطلحين، والمتعلقة بأهم منصبين في المملكة العربية السعودية (الملك وولي العهد)، والتي يصف الحديث عنها الفقيه الدستوري السعودي الدكتور إبراهيم الحديثي: «أنه يقترب من الخطوط الحمراء التي تعودنا ألا نقترب منها في السعودية؛ نظراً لحساسيتها، ولأنها قد تفسر تفسيرات غير التي يقصدها الباحث»، لكن غير المفهوم هو ندرة الدراسات التي تتناول جوانب تاريخية أخرى كتاريخ اليوم الوطني، أو تاريخ العَلم السعودي، أو توثيق بعض الحوادث والقرارات التاريخية المهمة.

من هذا المنطلق أتى هذا البحث ليسهم في إلقاء الضوء على جوانب من تاريخ المملكة العربية السعودية، وليوثق مراحل التطورات الدستورية التي مرّت بأحد أهم عوامل الاستقرار السعودية (انتقال الحكم)، وارتباط ذلك باليوم الوطني، كما رصد وبالتفصيل تاريخ الأيام الوطنية السعودية وصور طرق الاحتفال بها، وتناول بعض التفصيلات المتعلقة بتاريخ البيعة في السعودية، وشهودها وأماكن انعقادها وأولياتها؛ كونها «الخطوة الأولى لممارسة الحكم في المملكة العربية السعودية»، وفقاً لوصف الحديثي.

وجاء هذا الموضوع ليُسهم في تعريف الأجيال السعودية بصفحات لم تنل حقها من البحث والتدوين في تاريخهم الوطني، وليساعد في الإجابة عن تساؤلات كثير من المراقبين والمحللين حول العالم عن السر وراء سلاسة انتقال السلطة في المملكة العربية السعودية؟

لأن موضوع انتقال السلطة يعدّ تطبيقياً من المراحل الحرجة حتى في أبرز الديموقراطيات، بينما أثبتت التجربة السعودية صلابتها وأكدت على استقرار الحكم وسلاسة انتقال السلطة، وجرى انتقال السلطة منذ وفاة الملك المؤسس وحتى اليوم بكل سلاسة ودون حدوث ما يوصف في الدساتير بـ«فراغ السلطة»، رغم أن عملية انتقال الحكم لم تأتِ كلها في ظروف طبيعة؛ بل أتى بعضها في ظروف بالغة الدقة، كما كان الحال عند تولي الملك فيصل (1384هـ – 1964م)، وكذلك الملك خالد (1395هـ – 1975م)، مقاليد الحكم.

الإمام يبايع ابنه عبد العزيز

بعد استرداد الملك عبد العزيز الرياض في شوال 1319هـ الموافق يناير (كانون الثاني) 1902م وبدء تحركاته لضم أقاليم نجد، عاد والده الإمام عبد الرحمن إلى عاصمة حُكمه التي غادرها قبل إحدى عشرة سنة، معلناً تنازله عن الإمارة لابنه عبد العزيز، يقول المؤرخ والدبلوماسي خير الدين الزركلي: «وفي اجتماع عام حضره علماء الرياض وكبراؤها في باحة المسجد الكبير بالرياض (جامع الإمام تركي بن عبد الله الآن)، بعد صلاة الجمعة أعلن الإمام عبد الرحمن نزوله عما له من حقوق في الإمارة، لكبير أبنائه عبد العزيز، وأهدى إليه سيف سعود الكبير…..، وبذلك تمت البيعة الأولى لعبد العزيز في سنة 1320هـ الموافق 1902م».

لكن الزركلي وأكثر المصادر الأخرى التي أشارت إلى تلك البيعة لم تحدد تاريخ ذلك اليوم والشهر، وإن كانت بعض المصادر، خاصة الأجنبية كالباحث والمؤرخ الروسي أليكسي فاسيليف وغيره، قد أشارت إلى أنه في منتصف ذلك العام (بين شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران).

ولأهمية ذلك اليوم في تاريخنا الوطني؛ رصد هذا البحث أهم المصادر التي تطرقت إلى خروج الإمام عبد الرحمن من الكويت، ووجد إشارة مهمة أوردها حسين خلف الشيخ خزعل في الجزء الثاني من كتابه «تاريخ الكويت السياسي»، كما جاءت في بحث بعنوان «الدور السياسي للإمام عبد الرحمن الفيصل» للدكتور سطام بن غانم الحربي، وهذه المعلومة ومن خلال الوثائق تذكر، أن الإمام عبد الرحمن غادر الكويت يوم 19 مايو 1902م في طريقه إلى الرياض. وإذا عرفنا أن الرحلة بين الرياض والكويت تستغرق بين 12 و14 يوماً على ظهور الإبل فيكون وصول الإمام للرياض في أوائل شهر يونيو، وبهذا ينحصر بحثنا في ذلك الشهر، وأول جمعة تلي تاريخ وصول الإمام عبد الرحمن للرياض يكون تاريخها 6 يونيو 1902م الموافق 30 صفر 1320هـ وهذا هو التاريخ الذي أرجحه، مع احتمال أن يكون أحد الجمع التالية خلال شهر يونيو 1902م ــــــ ربيع الأول 1320هـ.

عبد العزيز ملكاً

بعد ذلك التاريخ بنحو 22 عاماً، استطاع الملك المؤسس أن يوحّد تحت رايته أقاليم متعددة من الجزيرة العربية، دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة يوم 7 جمادى الأولى 1343هـ الموافق 4 ديسمبر (كانون الأول) 1924م، وكان لقبه الرسمي وقتذاك «سلطان نجد وملحقاتها»، وعندما أتم ضم الحجاز، نُشر بلاغ عام مؤرخ في يوم 22 جمادى الآخرة 1344هـ الموافق 7 يناير 1926م، ومذيلٌ باسم عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل (السعود) مجرد من أي لقب، وملخصه أن أهل الحجاز طلبوا منه أن يمنحهم حريتهم في تقرير مصير بلادهم كما وعدهم، فلم يسعه أمام طلباتهم المتكررة إلا أن يمنحهم ذلك، وبعد نشر ذلك البلاغ رفع أهل الحل والعقد في مملكة الحجاز كتاب البيعة لـ«عظمة السلطان عبد العزيز».

وبعد صلاة الجمعة من يوم 23 جمادى الآخرة 1344هـ الموافق 8 يناير 1926م، بايع أعيان الحجاز وعلماء البلد الحرام وجموع الأهلين الملك عبد العزيز ملكاً على الحجاز، مع الإشارة إلى أن الملك عبد العزيز لم يتَسَمّ ملكاً إلا حينما بويع ملكاً على الحجاز، وحمل قبل ذلك ألقاباً عدة، منها: أمير نجد ورئيس عشائرها في بداية التكوين السياسي للدولة، ثم سلطان نجد وملحقاتها بعد ضم الأحساء وعسير، ثم ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها بعد ضم الحجاز، ثم ملك الحجاز ونجد وملحقاتها بعد تحول نجد مملكة، لكن الأهم أن تلك البيعة التي تمت قبل أكثر من مائة عام كانت لحظة تاريخية فارقة.

وأقيمت مراسمها داخل المسجد الحرام، وتحديداً عند باب الصفا، أحد أكبر الأبواب وقتئذ وتعتليه قبة تحفها النقوش والزخارف الإسلامية، ويحتوي على خمسة منافذ للدخول والخروج، ويعدّ البوابة الرئيسية في الجهة الجنوبية من الحرم ويؤدي إلى شارع الصفا، ثم إلى جبل الصفا حيث بداية السعي. أقيمت مراسم البيعة نحو الساعة الواحدة والربع ظهراً وتلا الشيخ عبد الملك مرداد، إمام وخطيب المسجد الحرام، نص البيعة وأطلقت المدافع «مائة مدفع ومدفع»، ثم توافد الناس أفواجاً أفواجاً لمبايعة الملك، وتزامن معها بيعة أهالي مدن الحجاز في المدينة المنورة، والطائف، وجدة، وينبع، والوجه، وظبا والعلا، وغيرها من البلدات، حيث تلقى أمراء المدن والبلدات البيعة نيابةً عن الملك.

كانت تلك المناسبة التاريخية هي المرة الأولى التي يحمل فيها أحد حكام الدولة السعودية في أيٍ من مراحلها الثلاثة لقب «ملك»، وأول بيعة ملكية سعودية تستخدم فيها البرقية وسيلةَ مبايعة وتنشر الصحف وتتناقل وسائل الإعلام الخارجية أخبارها.

عيد الجلوس الملكي

وبعد مرور عام على تلك المبايعة، أصدر مجلس الشورى قراراً بتاريخ 16 جمادى الآخرة 1345هـ الموافق 22 ديسمبر 1926م «برفع استعطاف للملك عبد العزيز يطلب موافقته على جعل يوم مبايعته ملكاً على الحجاز يوماً وطنياً تحيي الأمة ذكراه سنة بعد سنة»، لكن الملك عبد العزيز لم يوافق على ذلك الاستعطاف.

ولإيمان أعضاء المجلس بالفكرة وقناعتهم بها لم ييأسوا؛ فحشدوا التماسات من الأهالي والهيئات الرسمية ورفعوا معها استعطافاً آخر في 9 رمضان 1347هـ الموافق 18 فبراير (شباط) 1929م، راجين من الملك ألا يخيّب رجاءهم في إقرار يوم مبايعته في السابع عشر من برج الجدي الموافق للثامن من يناير من كل عام «عيداً وطنياً» وصدرت موافقة الملك عبد العزيز على ذلك يوم 7 ربيع الثاني 1348هـ الموافق 10 سبتمبر (أيلول) 1929م، وأصدر نائب جلالة الملك في الحجاز الأمر بشأن مراسم عيد الجلوس الملكي في الأول من جمادى الآخرة من عام 1348هـ الموافق 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1929م، بالنص الآتي:

«النائب العام لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم:

بعد الاطلاع على قرار مجلس الشورى الموقّر رقم 64 تاريخ 16 جمادى الثانية سنة 1345 ورقم 257 تاريخ 9 رمضان سنة 1347.

وبما أن حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم قد تفضل بإصدار موافقته الكريمة على إجازة الاستعطاف المرفوع إلى مقامه الملوكي، بتاريخ 7 ربيع الثاني برفق القرارين المذكورين بشأن مراسم عيد الجلوس الملكي، يأمر بما يلي:

المادة الأولى: يعتبر اليوم الذي يوافق اليوم السابع عشر من برج الجدي من كل سنة عيداً وطنياً تعيده البلاد لإحياء (ذكرى) الجلوس الملكي.

المادة الثانية: تعطّل دوائر الحكومة الرسمية في ذلك اليوم، وتجري فيه مراسيم المعايدة وتطلق المدافع 21 طلقة.

المادة الثالثة: يصادف العيد الأول لعامنا الحالي في اليوم الثامن من شعبان سنة 1348».

ويلاحظ هنا استخدام كلمة «العيد الوطني» بهذا اللفظ وتكراره في البيانات والأخبار الرسمية؛ بل وحتى في القصائد التي نُظمت في تلك المناسبة. وقد شُكلت «لجنة تنظيم الاحتفال بعيد جلوس جلالة الملك»، انبثق عنها لجان فرعية، وقد نُشرت أخبارٌ وتغطيات عن الترتيبات والفعاليات التي واكبت الاحتفال بعيد الجلوس أو العيد الوطني الأول، حيث اشتملت مظاهر الاحتفال على: منح عطلة للدوائر الحكومية، وإصدار الإدارة العامة للبريد والبرق والتلفون طوابع بريدية خاصة بمسمى «طوابع ذكرى الجلوس الملكي» بفئات عدة تراوحت قيمتها بين نصف قرش وخمسة قروش.

البيعة وانتقال الحكم

هنا لا بد من التفصيل، حيث إنه عند وفاة الملك عبد العزيز (يوم 2 ربيع الأول 1373هـ – 9 نوفمبر 1953م) بايع كبار الأمراء الملك سعود في القصر الملكي بالطائف (قصر العقيق حالياً)، وهو المكان نفسه الذي توفي فيه الملك المؤسس كما بايعوا (الأمير) فيصل بولاية العهد.

وتم ذلك قبل إعلان بيان الوفاة وأصبح هذا تقليداً متبعاً (مبايعة كبار أفراد الأسرة الحاكمة أو «البيعة الخاصة» أولاً ثم تتم «البيعة العامة»)، وجاء نص البلاغ رقم (2) الذي صدر عن الديوان الملكي العالي كالآتي: «على إثر وفاة حضرة صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود ملك المملكة العربية السعودية تغمده الله برحمته والتفاف أفراد الأسرة المالكة الكريمة حول جثمانه الطاهر خرجوا من عنده وبايعوا حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد العزيز المعظم ملكاً على البلاد العربية السعودية على طاعة الله ورسوله والسمع والطاعة، فنُودي بحضرة صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل الفيصل آل سعود ملكاً للمملكة العربية السعودية. وعلى أثر ذلك أعلن حضرة صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز ولاية عهده لأخيه حضرة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبد العزيز ولياً للعهد، كما بايع سموه على أثر ذلك أفراد الأسرة المالكة».

ويلاحظ في نص هذا البيان، أن الملك سعود أعلن ولاية العهد لأخيه فيصل، ويفهم من كلمة «أعلن» أن الأمر كان محسوماً قبل ذلك، وفي اليوم التالي تلقى الملك سعود في القصر نفسه بيعة قادة الجيش وأعضاء مجلس الشورى وكبار رجالات الدولة وشيوخ القبائل وجموع غفيرة من المواطنين، وهذا يصحح ما ذكرته بعض المصادر، وهو ما يتداول في مواقع رسمية بأن بيعة الملك سعود تمت في جدة، مع إيضاح أن الملك سعود بقي في الطائف ولم يرافق جثمان الملك عبد العزيز للرياض، ثم توجه من الطائف بالطائرة إلى جدة يوم الأربعاء 4 ربيع الأول 1373هـ – 11 نوفمبر 1953م، ثم إلى مكة وتلقى البيعة من وفود وجموع من طبقات الشعب كافة، بينما تلقى ولي العهد (الأمير) فيصل البيعة في قصر الحكم بعد دفن الملك عبد العزيز في الرياض.

عاد الأمير فيصل إلى الطائف ورافق الملك سعود إلى جدة ومكة. وكانت بيعة الملك سعود أول بيعة تبث أخبارها الإذاعة السعودية، وزاد استعمال البرقيات فيها كوسيلة مبايعة، كما زادت التغطيات الصحفية، حيث نشرت الصحف وأذاعت الإذاعة بياناً باسم الملك سعود يمكن أن يعدّ بمثابة «خطاب العرش».

وأصدر الملك سعود عدداً من الأوامر تضمنت استمرار الوزراء وكبار المسؤولين في مناصبهم والعفو عن السجناء والمبعدين السياسيين وسجناء الحق العام، واستقبل الملك وفوداً خارجية وممثلي البعثات الدبلوماسية والجاليات الأجنبية الذين قدموا التهاني لجلالته بتوليه الحكم، وتلقى أمراء المناطق البيعة نيابة عن الملك كما تلقت الممثليات السعودية في الخارج البيعة من المواطنين السعوديين الموجودين في تلك الدول، وأصبحت هذه وغيرها من التدابير والمراسم والإجراءات من التقاليد المصاحبة للبيعة.

وفي يوم الاثنين 27 جمادى الآخرة 1384هـ – 2 نوفمبر 1964م عُقدت جلسة مشتركة لأعضاء مجلسي الوزراء والشورى في قصر الحمراء (وهذا هو الاسم الأساس للقصر وليس «الأحمر») بالرياض برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء (الأمير) خالد بن عبد العزيز، وقرروا فيها: «مبايعة ولي العهد فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملكاً شرعياً على المملكة العربية السعودية وإماماً للمسلمين»، وطلبوا من الملك فيصل: «قبول البيعة وإعلانها»، بايع كبار الأمراء والعلماء (أعضاء السلطة القضائية) وأعضاء مجلس الوزراء وأعضاء مجلس الشورى المجتمعون في قصر الحمراء الملك فيصل هناك، أذيع «بيان البيعة» نحو الساعة الثانية ظهراً وتلاه وزير الإعلام السعودي آنذاك الشيخ جميل الحجيلان، الذي ذكر أنه نحو الساعة 11 من صباح ذلك اليوم أقلته طائرة بوينغ 707 وكانت من أوائل الطائرات الحديثة في أسطول الخطوط السعودية من مطار الرياض إلى جدة لبث البيان، حيث لم يكن هناك استوديوهات إذاعية في الرياض.

بيان البيعة

وكانت تلك هي المرة الأولى التي يتلو فيها وزير الإعلام بيان البيعة وأصبحت تقليداً مصاحباً، أما خطاب العرش فقد تلاه الملك فيصل بنفسه وبثّته الإذاعة مساء ذلك اليوم، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يبث فيها خطاب اعتلاء العرش بصوت الملك عبر الإذاعة، وذكر الإعلامي والمؤرخ السعودي الدكتور عبد الرحمن الشبيلي تفاصيل عن كواليس تسجيل الخطاب الملكي في قصر المعذر عصر ذلك اليوم بحضور الأمير سلطان بن عبد العزيز (وزير الدفاع والطيران وأحد كبار مستشاري الملك فيصل) والدكتور رشاد فرعون (المستشار الخاص للملك) والشيخ محمد النويصر (رئيس المكتب الخاص) والكاتب والشاعر كنعان الخطيب (يُرجح أنه هو من صاغ الخطاب الملكي)، وكيف أن طائرة خاصة أقلت الشبيلي إلى جدة بتوجيه من الأمير سلطان، حاملاً معه شريط تسجيل خطاب العرش.

وفي قصر الحكم بوسط العاصمة الرياض تلقى الملك فيصل يوم الثلاثاء 28 جمادى الآخرة – 3 نوفمبر البيعة من الأمراء وكبار رجال الدولة وأعيان البلاد وممثلي فئات الشعب، وكان يقف إلى جانبه أخوه أمير الرياض وقتذاك سلمان بن عبد العزيز.

ويتكرر الأمير (الملك سلمان) والمكان والمراسم في كل بيعة تالية ولما يزيد على نصف قرن؛ مما يبين عراقة مراسم وتقاليد البيعة في المملكة العربية السعودية. ولعله من المهم الإشارة هنا إلى أن بيعة الملك فيصل في قصر الحكم عام 1384هـ – 1964م كانت أول بيعة ملكية في ذلك القصر كما كانت أول بيعة بعد إعادة بناء القصر على الطراز الحديث.