التاريخُ، مجردُ رقمٍ في دستور الحياة، حتى يرتبط بحدثٍ، فيُصبح تأريخًا لهذا الحدث. كالثالث والعشرين من سبتمبر، الذي لا يُمَثّل يومًا كبقية الأيام. الثالث والعشرون من سبتمبر مُختلِف، ومُؤتَلَف، يحمِل بين طيّاته أصالة، حضارة، وتُراثًا عريقًا.
الأرضُ دارٌ، والسماءُ رحابةً
وفَضًا فيهِ مراكبُ الرَّشادِ
وطنٌ.. ملأَ الأرجاءَ صبابةً
بالعزِّ والعزمِ شموخَ العِمَادِ
هذي بلادي.. أَبصِر تجِدْ
في كُلِ قطرةٍ منها حَصادِ
هامَ الفؤادُ بسَنَا ضيّها
فمَن سَنَاهُ يُضاهِي البِلادِ؟
وطنٌ بهذا الزَّهاء، أليس جديرًا بِهِ أن يُحفظ؟
الأقلام لا تُوفيه، والأخبار لا تُجليه.. لكنّ سيرته الذاتية تحكيه، بقلمٍ دقيق، عميق، ووثيق. فالوطن “هو الحاضن الأكبر لأبنائه، ومن واجبنا أن نبني جيلاً واعيًا يرفع رايته”، وها نحن نقف اليوم في هذا المحفَل العظيم (اليوم الوطني) الذي كُتب عنه كثيرًا وشُيد به مرارًا، لا سيما بقلم الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد -رحمه الله- مؤرخٌ الدولة الذي مشى على خُطاه الكثير، إذ أضاء منارات التُراث وأحيا مجد هذا الوطن العظيم. فالوطنية “ليست كلمات، بل أفعال تُترجم حبًا وتضحية”.
وُلِدَ الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد في الرياض عام 1348هـ/ 1928م، وتلقى تعليمه في العلوم الشرعية واللغة العربية، وتخرج عام 1957م. عمل كمدرس ثم مديرًا للمعهد العلمي في الأحساء، وتقلّد مناصب في وزارتي المعارف والداخلية. ترأس تحرير جريدة “الدعوة” عام 1975م وأسس مجلة “الشبل”. كان أيضًا شاعرًا وكاتبًا، وشارك في تأليف مقررات مدرسية.
ولأن سيرته لا تَخفَى على كثيرٍ من الناس، فإن الجدير بالذكر، منهجيته التي تفرَّدَ بها، وسَار على خُطَاها.. لقبه، إنجازاته، وفكرته التي ما زال لها أثرًا ملموسًا. اتَّبَعت منهجية الشيخ تسليطَ الضوءِ على الشخصيات الوطنية التي ساهمت في بناء المملكة العربية السعودية ولكنها لم تحظَ بالاهتمام الكافي. فكما قال توماس كارليل: “الأبطال يكتبون التاريخ بأفعالهم، والمهمة تقع على المؤرخين لكتابة قصة تلك الأفعال”. وأبرز مثال على ذلك كان كتابه (عبدالله السليمان الحمدان) الذي وثّق فيه إنجازات هذا الرجل، ومنها مساهمته في إنشاء جامعة الملك عبدالعزيز في جدة. كما تناول في كتابه (الستون رجلاً خالدو الذكر) الشخصيات التي رافقت الملك عبدالعزيز في تأسيس الدولة السعودية، مُسلطًا الضوء على دورهم الحاسم.
حصل الرويشد على لقب “مؤرخ آل سعود” الذي منحه له الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود تقديرًا لجهوده الكبيرة في توثيق تاريخ الأسرة المالكة. كان من أبرز إنجازاته إعادة هيكلة وبناء شجرة آل سعود، التي تبدأ من مانع بن ربيعة المريدي الحنفي (أحد أسلاف آل سعود) وأفرد لها كتابًا بعنوان “الجداول الأسريَّة لسلالات العائلة المالكة السعودية” باللغتين العربية والإنجليزية، مضمونة تفرعات تلك الشجرة. وصفه الباحث والمؤرخ عبد الرحمن الشبيلي بأنه “ظاهرة توثيقية متفرّدة”، نظرًا لاهتمامه العميق بالتاريخ الوطني والشعبي. إضافة إلى ذلك كان الشيخ صاحب الفكرة الملهمة التي نبهت لقرب مئوية دخول الملك عبدالعزيز الرياض، التي ألهمت الباحثين للغوص في تاريخ المملكة. بتوجيهات الملك سلمان، أُعطيت هذه المناسبة اهتمامًا خاصًا، ما أدى لظهور العديد من الكتب والأبحاث التي أضافت زخمًا تاريخيًا. تقديرًا لجهوده، كرّمه الملك فهد بوسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى. وقبل طرح فكرة المئوية السعودية، كانت المؤلفات السعودية محدودة نسبيًا، ولم يكن هناك تركيز كبير على توثيق التاريخ الوطني. لكن بعد فكرة المئوية، شهدت المملكة طفرة كبيرة في التأليف والتوثيق؛ مما أدى إلى تنامي الأعمال الأدبية والتاريخية، وجعل الأدب، والتاريخ السعودي مرجِعًا مُهمًا للأجيال القادمة.
كان لديه العديد من الأعمال، تتركز في مجالات الأدب والتاريخ والتربية، ومنها:
1- كلمات وخطب منتقاة من خطب خادم الحرمين الشريفين.
2- عبدالله العجيري – الرواية.
3- الوهابية وحركة الفكر والدولة الإسلامية (1977م/ 1397هـ).
4- الجذور الأصلية للتعليم في وسط الجزيرة العربية.
5- الرياض في مائة سنة.
6- شروح وتعليقات على العقيدة الواسطية.
7- قصر الحكم في مدينة الرياض.
8- الجداول الأسرية لسلالات العائلة المالكة السعودية.
9- الفهرس الأبجدي العام لسلالات العائلة المالكة السعودية.
10- وضع شجرة آل سعود.
11- الستون رجلاً خالدو الذكر طليعة استعادة الرياض.
12- عبدالله السليمان الحمدان صفحة مشرفة في تاريخ المملكة العربية السعودية.
13- محمد بن عبدالعزيز.. أمير الأمراء.. وسليل الملوك.
14- تاريخ الراية السعودية شارات.. أعلام .. أوسمة.
الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد -رحمه الله- لم يكن مجرد مؤرخ، بل كان حارسًا لذاكرة الوطن، من خلال عمله الدؤوب. رحم الله الشيخ، فقد كان صديقًا للحرف وصوتًا للوطن، يروي بقلمه قصص العزة والإنجاز.